الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

قوله : { لَهْوَ الْحَدِيثِ } : من بابِ الإِضافةِ بمعنى " مِنْ " لأنَّ اللهو يكون حديثاً وغيره كبابِ ساجٍ وجُبَّةِ خَزٍّ . وقيل : هو على حذف مضاف أي : يشتري ذواتِ لَهْوِ الحديثِ ؛ لأنها نزلتْ في مشتري المغنِّيات . والأولُ أبلغُ .

قوله : " لِيُضِلَّ " قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ " لِيَضِلَّ " بفتح حرفِ المضارعةِ . والباقون بضمِّه ، مِنْ أضَلَّ غيرَه ، فمفعولُه محذوفٌ . وهو مُسْتَلْزِمٌ للضلالِ ؛ لأنَّ مَنْ أضَلَّ فقد ضَلَّ مِنْ غيرِ عكسٍ . وقد تقدَّمَ ذلك في سورة إبراهيم . قال الزمخشري هنا : " فإنْ قلت : القراءةُ بالرفعِ بَيِّنَةٌ ؛ لأنَّ النَّضِرَ كان غرضُه باشتراءِ اللَّهْوِ أن يَصُدَّ النَاسَ عن الدخولِ في الإِسلام واستماعِ القرآن ويُضِلَّهم عنه فما معنى القراءةِ بالفتح ؟ قلت : معنيان ، أحدُهما : ليَثْبُتَ على ضلالِه الذي كان عليه ولا يَصْدِفَ عنه ، ويَزِيدَ فيه ويَمُدَّه ؛ فإن المخذولَ كان شديدَ الشَّكيمةِ في عداوةِ الدين ، وصَدِّ الناسِ عنه . الثاني : أَنْ يُوْضَعَ " لِيَضِلَّ " موضعَ ليُضِلَّ ؛ مِنْ قِبَلِ أنَّ مَنْ أَضَلَّ كان ضالاًّ لا محالةَ فدَلَّ بالرَّديفِ على المَرْدُوف " .

قوله : " بغير عِلْمٍ " حالٌ أي : يشتري بغيرِ علمٍ بأحوالِ التجارة حيث اشترى ما يَخْسَرُ فيه الدارَيْنِ .

قوله : وَيَتَّخِذَها " قرأ الأخوانَ وحفصٌ بالنصب عطفاً على " لِيُضِلَّ " فهو علةٌ كالذي قبلَه . والباقون بالرفع عطفاً على " يَشْتري " فهو صلةٌ . وقيل : الرفعُ على الاستئنافِ من غير عطفٍ على الصلةِ . والضميرُ المنصوبُ يعود على الآيات المتقدِّمةِ أو السبيلِ ؛ لأنه يُؤَنَّثُ ، أو الأحاديثِ الدال عليها " الحديث " لأنه اسمُ جنسٍ .

قوله : " أولئك لهم " حُمِلَ أولاً على لفظ " مَنْ " فَأُفْرِدَ ، ثم على معناها فجُمِعَ ، ثم على لفظِها فأُفْرِد في قوله : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ } . وله نظائرُ تقدَّمَ التنبيهُ عليها في المائدة ، عند قولهِ تعالى : { مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ }

[ المائدة : 60 ] . وقال الشيخ : " ولا نعلم جاءَ في القرآن ما حُمِلَ على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ غيرَ هاتين الآيتين " . قلت : وُجِدَ غيرُهما كما قَدَّمْتُ التنبيهَ عليه في المائدة .