الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } .

قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصي ، كان يتجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدِّث بها قريشاً ويقول لهم : إنَّ محمّداً يحدّثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أُحدّثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأعاجم والأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، وقال مجاهد : يعني شراء ( القيان ) والمغنّين ، ووجه الكلام على هذا التأويل يشتري ذات أو ذا لَهْو الْحَدِيثِ .

أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى سنة ثلاث وثمانين ، حدّثني جدّي محمد بن إسحاق بن خزيمة )عن علي بن خزيمة ) عن علي بن حجرة ، عن مُستمغل بن ملجان الطائي ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيدالله بن زجر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحلّ تعليم المغنيات ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام ، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } . . . " إلى آخر الآية .

وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلاّ بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتّى يكون هو الذي يسكت . وقال آخرون : معناه يستبدل ويختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن وقال : سبيل الله : القرآن .

وقال أبو الصهباء البكري : سألت ابن مسعود عن هذه الآية ، فقال : هو الغناء والله الذي لا إله إلاّ هو يردّدها ثلاث مرّات ، ومثله روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس . ابن جريج : هو الطبل . عبيد عن الضحّاك : هو الشرك . جويبر عنه : الغناء ، وقال : الغناء مفسدة للمال ، مسخطة للربّ مفسدة للقلب . وقال ثوير بن أبي فاخته عن أبيه عن ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنّيه ليلاً ونهاراً . وكلّ ما كان من الحديث مُلهياً عن سبيل الله إلى ما نهى عنه فهو لهو ومنه الغناء وغيره . وقال قتادة : هو كلّ لهو لعب . قال عطاء : هو الترّهات والبسابس . وقال مكحول : مَنْ اشترى جارية ضرّابة ليمسكها لغناها وضَرْبِها مقيماً عليه حتّى يموت لم أُصلِّ عليه ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } . . . إلى آخر الآية .

وروى علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إنّ الله تعالى بعثني رحمةً وهدىً للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير والأوتار والصّلب وأمر الجاهلية ، وحلفَ ربّي بعزّته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر متعمّداً إلاّ سقيته من الصديد مثلها يوم القيامة مغفوراً له أو معذّباً ، ولا يسقيها صبيّاً صغيراً ضعيفاً مسلماً إلاّ سقيته مثلها من الصديد يوم القيامة مغفوراً له أو معذّباً ، ولا يتركها من مخافتي إلاّ سقيته من حياض القدس يوم القيامة . لا يحلّ بيعهن ولا شرائهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن وثمنهنّ حرام " يعني الضوارب .

وروى حمّاد عن إبراهيم قال : الغناء ينبت النفاق في القلب . وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يحرقُون الدفوف .

أخبرنا عبدالله بن حامد ، عن ابن شاذان ، عن جيغويه ، عن صالح بن محمد ، عن إبراهيم ابن محمد ، عن محمد بن المنكدر قال : بلغني أنَّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة : أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللّهو ومزامير الشيطان ؟ أدخلوهم رياض المسك ، ثمّ يقول للملائكة : أسمعوا عبادي حمدي وثنائي وتمجيدي وأخبروهم أنْ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

قوله : { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب { وَيَتَّخِذَهَا } بنصب الذال عطفاً على قوله : { لِيُضِلَّ } وهو اختيار أبي عبيد قال : لقربه من المنصوب ، وقرأ الآخرون بالرفع نسقاً على قوله : { يَشْتَرِي } .

{ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }