المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

6- ومن الناس من يشترى باطل الحديث ويقصُّه على الناس ، ليصدَّهم عن الإسلام والقرآن جهلا منه بما عليه من إثم ، ويتخذ دين الله ووحيه سخرية . الذين يفعلون ذلك لهم عذاب يهينهم ويذلهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

{ 6 - 9 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

أي : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي : يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء . { لَهْوَ الْحَدِيثِ } أي : الأحاديث الملهية للقلوب ، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب . فدخل في هذا كل كلام محرم ، وكل لغو ، وباطل ، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، ومن أقوال الرادين على الحق ، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق ، ومن غيبة ، ونميمة ، وكذب ، وشتم ، وسب ، ومن غناء ومزامير شيطان ، ومن الماجريات الملهية ، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا .

فهذا الصنف من الناس ، يشتري لهو الحديث ، عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : بعدما ضل بفعله ، أضل غيره ، لأن الإضلال ، ناشئ عن الضلال .

وإضلاله في هذا الحديث ؛ صده عن الحديث النافع ، والعمل النافع ، والحق المبين ، والصراط المستقيم .

ولا يتم له هذا ، حتى يقدح في الهدى والحق ، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها ، وبمن جاء بها ، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه ، والقدح في الحق ، والاستهزاء به وبأهله ، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه ، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال ، ولا يعرف حقيقته .

{ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا ، واستهزءوا [ بآيات اللّه ]{[1]}  وكذبوا الحق الواضح .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

أولئك المهتدون بالكتاب وآياته ، المحسنون ، المقيمون للصلاة ، المؤتون للزكاة ، الموقنون بالآخرة ، المفلحون في الدنيا والآخرة . . أولئك فريق . . وفي مقابلهم فريق :

( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا . أولئك لهم عذاب مهين . وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا . فبشره بعذاب أليم ) . .

ولهو الحديث كل كلام يلهي القلب ويأكل الوقت ، ولا يثمر خيرا ولا يؤتي حصيلة تليق بوظيفة الإنسان المستخلف في هذه ا لأرض لعمارتها بالخير والعدل والصلاح . هذه الوظيفة التي يقرر الإسلام طبيعتها وحدودها ووسائلها ، ويرسم لها الطريق . والنص عام لتصوير نموذج من الناس موجود في كل زمان وفي كل مكان . وبعض الروايات تشير إلى أنه كان تصويرا لحادث معين في الجماعة الإسلامية الأولى . وقد كان النضر بن الحارث يشتري الكتب المحتوية لأساطير الفرس وقصص أبطالهم وحروبهم ؛ ثم يجلس في طريق الذاهبين لسماع القرآن من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] محاولا أن يجذبهم إلى سماع تلك الأساطير والاستغناء بها عن قصص القرآن الكريم . ولكن النص أعم من هذا الحادث الخاص إذا صح أنه وارد فيه . وهو يصور فريقا من الناس واضح السمات ، قائما في كل حين . وقد كان قائما على عهد الدعوة الأولى في الوسط المكي الذي نزلت فيه هذه الآيات .

( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) . . يشتريه بماله ويشتريه بوقته ، ويشتريه بحياته . يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص ، يفني فيه عمره المحدود ، الذي لا يعاد ولا يعود ، يشتري هذا اللهو ( ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) فهو جاهل محجوب ، لا يتصرف عن علم ، ولا يرمي عن حكمة وهوسيىء النية والغاية ، يريد ليضل عن سبيل الله . يضل نفسه ويضل غيره بهذا اللهو الذي ينفق فيه الحياة . وهو سيىء الأدب يتخذ سبيل الله هزوا ، ويسخر من المنهج الذي رسمه الله للحياة وللناس . ومن ثم يعالج القرآن هذا الفريق بالمهانة والتهديد قبل أن يكمل رسم الصورة : ( أولئك لهم عذاب مهين ) . . ووصف العذاب بأنه مهين مقصود هنا للرد على سوء الأدب والاستهزاء بمنهج الله وسبيله القويم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

لما ذكر تعالى حال السعداء ، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه ، كما قال [ الله ]{[22922]} تعالى : { اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ الزمر : 23 ] ،

عطف بذكر حال الأشقياء ، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله ، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب ، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } قال : هو - والله - الغناء .

قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء البكري ، أنه سمع عبد الله بن مسعود - وهو يسأل عن هذه الآية : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } - فقال عبد الله : الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها{[22923]} ثلاث مرات{[22924]} .

حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، أخبرنا حُمَيْد الخراط ، عن عمار ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء : أنه سأل ابن مسعود عن قول الله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } قال : الغناء{[22925]} .

وكذا قال ابن عباس ، وجابر ، وعِكْرِمة ، وسعيد بن جُبَيْر ، ومجاهد ، ومكحول ، وعمرو بن شعيب ، وعلي بن بَذيمة .

وقال الحسن البصري : أنزلت هذه الآية : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } في الغناء والمزامير .

وقال قتادة : قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } : والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكنْ شراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختارَ حديثَ الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع .

وقيل : عنى بقوله : { يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } : اشتراء المغنيات من الجواري .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحْمَسي : حدثنا وَكِيع ، عن خَلاد الصفار ، عن عُبَيْد الله بن زَحْر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد الرحمن{[22926]} عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ، وأكل أثمانهن حرام ، وفيهن أنزل الله عز وجل عَلَيّ : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } .

وهكذا رواه الترمذي وابن جرير ، من حديث عُبَيد الله بن زحر بنحوه{[22927]} ، ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب . وضَعُفَ {[22928]} علي بن يزيد المذكور .

قلت : علي ، وشيخه ، والراوي عنه ، كلهم ضعفاء . والله أعلم .

وقال الضحاك في قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } يعني : الشرك . وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله .

وقوله : { لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي : إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله .

وعلى قراءة فتح الياء ، تكون اللام لام العاقبة ، أو تعليلا للأمر القدري ، أي : قُيضوا لذلك ليكونوا كذلك .

وقوله : { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا } قال مجاهد : ويتخذ سبيل الله هزوا ، يستهزئ بها .

وقال قتادة : يعني : ويتخذ آيات الله هزوا . وقول مجاهد أولى .

وقوله تعالى : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي : كما استهانوا بآيات الله وسبيله ، أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر .


[22922]:- زيادة من أ.
[22923]:- في ت: "فرددها".
[22924]:- تفسير الطبري (21/39).
[22925]:- تفسير الطبري (21/39).
[22926]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[22927]:- سنن الترمذي برقم (3195) وتفسير الطبري (21/40).
[22928]:- في ت: "وفي إسناده"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ } .

اختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيث فقال بعضهم : من يشتري الشراء المعروف بالثمن ، ورووا بذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن خلاد الصفَار ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن عليّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَحِلّ بَيْعُ المُغَنّياتِ ، وَلا شِرَاؤُهُنّ ، وَلا التّجارَةُ فِيهِنّ ، وَلا أثمَانُهُنّ ، وفيهنّ نزلت هذه الاَية : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن خَلاد الصفَار ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن عليّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلاّ أنه قال : «أكْلُ ثَمَنِهِنّ حَرَامٌ » وقال أيضا : «وفِيهِنّ أنْزَلَ اللّهُ عليّ هَذِهِ الاَيَةَ : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ » .

حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سليمان بن حيان ، عن عمرو بن قيس الكلابي ، عن أبي المهلّب ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن عليّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة . قال : وثنا إسماعيل بن عَياش ، عن مُطَرّح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن عليّ بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا يحلّ تَعْلِيمُ المُغَنّياتِ ، وَلا بَيْعُهُنّ وَلا شِرَاؤُهُنّ ، وثَمَنُهُنّ حَرامٌ ، وقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ إلى آخر الاَية » .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : من يختار لهو الحديث ويستحبه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْمٍ والله لعله أن لا ينفق فيه مالاً ، ولكن اشتراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ ، وما يضرّ على ما ينفع .

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا أيوب بن سويد ، قال : حدثنا ابن شوذب ، عن مطر ، في قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : اشتراؤه : استحبابه .

وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال : معناه : الشراء ، الذي هو بالثمن ، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه .

فإن قال قائل : وكيف يشتري لهو الحديث ؟ قيل : يشتري ذات لهو الحديث ، أو ذا لهو الحديث ، فيكون مشتريا لهو الحديث .

وأما الحديث ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو الغناء والاستماع له . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جُبَير ، عن أبي الصهباء البكري ، أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْمٍ فقال عبد الله : الغناء ، والذي لا إله إلاّ هو ، يردّدها ثلاث مرّات .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : أخبرنا حميد الخراط ، عن عمار ، عن سعيد بن جُبَير ، عن أبي الصهباء ، أنه سأل ابن مسعود ، عن قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغِناء .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء وأشباهه .

حدثنا ابن وكيع ، والفضل بن الصباح ، قالا : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : هو الغناء ونحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : هو الغناء والاستماع له ، يعني قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ .

حدثنا الحسن بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا سفيان ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن جابر ، في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : هو الغناء والاستماع له .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم أو مقسم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : شراء المغنية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص والمحاربي ، عن ليث ، عن الحكم ، عن ابن عباس ، قال : الغناء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : باطل الحديث : هو الغناء ونحوه .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن مجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد أنه قال في هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب عن مجاهد قال : الغناء .

قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : هو الغناء ، وكلّ لعب لهو .

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي ، قال : حدثنا عليّ بن حفص الهمداني ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء والاستماع له وكل لهو .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : المغني والمغنية بالمال الكثير ، أو استماع إليه ، أو إلى مثله من الباطل .

حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : هو الغناء أو الغناء منه ، أو الاستماع له .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن شعيب بن يسار ، عن عكرمة قال : لَهْوَ الحَدِيثِ : الغناء .

حدثني عبيد بن إسماعيل الهَبّاريّ ، قال : حدثنا عَثّام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة ، عن عبيد مثله .

حدثنا الحسين بن الزبرقان النخعي ، قال : حدثنا أبو أسامة وعبيد الله ، عن أسامة ، عن عكرمة ، في قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ قال : الغناء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، قال : الغناء .

وقال آخرون : عنى باللهو : الطّبل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج الأعور ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : اللهو : الطبل .

وقال آخرون : عنى بلهو الحديث : الشرك . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ يعني الشرك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْمٍ ، ويَتّخِذها هُزُوا قال : هؤلاء أهل الكفر ، ألا ترى إلى قوله : وَإذا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِرا كأنْ لَمْ يَسْمَعْها ، كأنّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرا فليس هكذا أهل الإسلام ، قال : وناس يقولون : هي فيكم ، وليس كذلك ، قال : وهو الحديث الباطل الذي كانوا يَلْغَون فيه .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله ، مما نهى الله عن استماعه أو رسولُه ، لأن الله تعالى عَمّ بقوله لَهْوَ الحَدِيثِ ولم يخصص بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه ، حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه ، والغناء والشرك من ذلك .

وقوله : لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ يقول : ليصدّ ذلك الذي يشتري من لهم الحديث عن دين الله وطاعته ، وما يقرّب إليه من قراءة قرآن ، وذكر الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : سبيل الله : قراءة القرآن ، وذكر الله إذا ذكره ، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية .

وقوله : بغَيْرِ عِلْمٍ يقول : فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث ، جهلاً منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه . وقوله وَيَتّخِذَها هُزُوا اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ، وبعض أهل الكوفة : «وَيَتّخِذُها » رفعا ، عطفا به على قوله : يَشْتَرِي كأن معناه عندهم : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ، ويتخذ آيات الله هزوا . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : وَيَتّخِذَها نصبا عطفا على يضلّ ، بمعنى : ليضلّ عن سبيل الله ، وليتخذَها هُزُوا .

والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء ، فمصيب الصواب في قراءته ، والهاء والألف في قوله : ويَتّخِذَها من ذكر سبيل الله . ذكر من قال ذلك :

21375حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَيَتّخِذَها هُزُوا قال : سبيل الله .

وقال آخرون : بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : بِحَسْب المرء من الضلالة ، أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ ، وما يضرّ على ما ينفع .

ويَتّخِذَها هُزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها . وهما من أن يكونا من ذكر سبيل الله أشبه عندي لقربهما منها ، وإن كان القول الاَخر غير بعيد من الصواب . واتخاذه ذلك هُزُوا هو استهزاؤه به .

وقوله : أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله ، لهم يوم القيامة عذاب مُذِلّ مخزٍ في نار جهنم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (6)

وقوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء محمد صلى الله عليه وسلم وسبه فنزلت الآية في ذلك ، وقيل إنه ابن خطل وروي عن أبي أمامة الباهلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «شراء المغنيات وبيعهن حرام » وقرأ هذه الآية ، وقال في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية{[9346]} ، وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد ، وقال الحسن { لهو الحديث } المعازف والغناء ، وقال بعض الناس نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسفنديار ، وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل ويقول أنا أحسن حديثاً من محمد{[9347]} ، وقال قتادة : الشراء في هذه الآية مستعار ، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل .

قال الفقيه الإمام القاضي : فكأن ترك ما يجب وامتثال هذه المنكرات شراء لها على حد قوله تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }{[9348]} [ البقرة : 16 ، 175 ] ، وقد قال مطرف : شراء { لهو الحديث } استحبابه ، قال قتادة ولعله لا ينفق فيه مالاً ولكن سماعه هو شراؤه ، وقال الضحاك { لهو الحديث } الشرك ، وقال مجاهد أيضاً { لِهو الحديث } الطبل وهذا ضرب من الغناء .

قال الفقيه الإمام القاضي : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث منضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله : { ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً } ، والتوعد بالعذاب المهين ، وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا ، و { لهو الحديث } كل ما يلهي من غناء وخنى ونحوه ، والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزواً ولا عليهم هذا الوعيد ، بل ليعطل عبادة ويقطع زماناً بمكروه ، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث وقد جعلوا الحديث من القربى ، وقيل لبعضهم أتمل الحديث ؟ قال : إنما يمل العتيق .

قال الفقيه الإمام القاضي : يريد القديم المعاد ، لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل ، وقرأ نافع وعاصم والحسن وجماعة «ليُضل » بضم الياء .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتحها ، وفي حرف أبيّ «ليضل الناس عن سبيل الله » ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «ويتخذَها » بالنصب عطفاً على { ليضل } ، وقرأ الباقون «ويتخذُها » بالرفع عطفاً على { يشتري }{[9349]} ، والضمير في { يتخذها } يحتمل أن يعود على { الكتاب } المذكور أولاً ويحتمل أن يعود على السبيل ، ويحتمل أن يعود على الأحاديث لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث ، وكذلك { سبيل الله } اسم جنس ولكن وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل .


[9346]:أخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والترمذي، وابن ماجه،وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} إلى آخر الآية. (الدر المنثور). وفي ابن كثير: ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وضعف من رواته علي بن زيد".
[9347]:قال القرطبي: "حكاه الفراء والكلبي وغيرهما" وجاء ذلك في أسباب النزول للواحدي عن الكلبي ومقاتل بدون سند، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} يعني باطل الحديث، وهو النضر بن الحارث بن علقمة، اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم، وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب القرآن، فأعرض عنه فلم يؤمن.
[9348]:من الآية 16 من سورة البقرة.
[9349]:ويجوز أن يكون مستأنفا.