المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

32- هؤلاء الجاحدون بالله إذا ركبوا في السفن واضطرب بهم البحر وارتفعت أمواجه حتى بدت كأنها تظللهم ، وظنوا أنهم غارقون - لا محالة - لجأوا إلى الله يدعونه في إخلاص وخضوع أن ينجيهم ، فلما نجَّاهم إلى البر كان منهم قليل تذكَّر عهده ، واعتدل في عمله ، ومنهم كثير نسى فضل ربه ، وظل على جحوده به ، ولا ينكر فضل ربه عليه وإحسانه إليه إلا كل إنسان شديد الغدر ، مسرف في الكفر بربه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

وذكر تعالى حال الناس ، عند ركوبهم البحر ، وغشيان الأمواج كالظل{[675]}  فوقهم ، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ]{[676]}  والعبادة : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين :

فرقة مقتصدة ، أي : لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم .

وفرقة كافرة بنعمة اللّه ، جاحدة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ }{[677]}  أي غدار ، ومن غدره ، أنه عاهد ربه ، لئن أنجيتنا من البحر وشدته ، لنكونن من الشاكرين ، فغدر ولم يف بذلك ، { كَفُور } بنعم اللّه . فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة ، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه ؟


[675]:- في ب: كالظلل.
[676]:- زيادة من ب.
[677]:- كذا في ب، وزاد في أ: قوله تعالى: "كفور".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الاَلهة والأوثان في البحر ، إذا ركبوا في الفُلك ، موج كالظّل ، وهي جمع ظُلّة ، شبّه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء قال نابغة بني جعدة في صفة بحر :

يُماشِيهِنّ أخْضَرُ ذُو ظِلالٍ *** عَلى حافاتِهِ فِلَق الدّنانِ

وشبه الموج وهو واحد بالظلل ، وهي جماع ، لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء ، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل . وقوله : دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول تعالى ذكره : وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل ، فخافوا الغرق ، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة ، لا يشركون به هنالك شيئا ، ولا يدعون معه أحدا سواه ، ولا يستغيثون بغيره . قوله : فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى البَرّ مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البرّ . فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يقول : فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه ، وهو مع ذلك مضمر الكفر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال : المقتصد في القول وهو كافر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصدٌ قال : المقتصد الذي على صلاح من الأمر .

وقوله : وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ يقول تعالى ذكره : وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلاّ كلّ غدّار بعهده ، والختر عند العرب : أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب :

وَإنّكَ لَوْ رأيْتَ أبا عُمَيْرٍ *** مَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ

وقوله : كَفُورٌ يعني : جحودا للنّعم ، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة . وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : كلّ غدّار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله كُلّ خَتّارٍ قال : غدّار .

حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : غدّار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ الختار : الغدار ، كلّ غدار بذمته كفور بربه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : كلّ جحاد كفور .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : الختار : الغدّار ، كما تقول : غدرني .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، قال : سمعت قَتادة قال : الذي يغدر بعهده .

قال : ثنا المحاربي ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، قال : الغدّار .

قال : ثنا أبي : عن الأعمش ، عن سمر بن عطية الكاهلي ، عن عليّ رضي الله عنه قال : المكر غدر ، والغدر كفر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

{ وإذا غشيهم } علاهم وغطاهم . { موج كالظلل } كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال . { دعوا الله مخلصين له الدين } لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد . { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد ، أو متوسط في الكفر لإنجازه بعض لانزجاره بعض الانزجار . { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار } غدار فإنه نقض للعهد الفطري ، أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر . { كفور } للنعم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

والغشيان : مستعار للمجيء المفاجىء لأنه يشبه التغطية ، وتقدم في قوله تعالى : { يُغشي الليل النهار } في سورة الأعراف ( 54 ) .

والظُّلَل : بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظُلّة بالضم وهي : ما أظلّ من سحاب .

والفاء في قوله فمنهم مقتصد } تدلّ على مقدر كأنه قيل : فلما نجاهم انقسموا فمنهم مقتصد ومنهم غيره كما سيأتي . وجعل ابن مالك الفاء داخلة على جواب { لمّا } أي رابطة للجواب ومخالفوه يمنعون اقتران جواب { لما بالفاء كما في مغني اللبيب } .

والمقتصد : الفاعل للقصد وهو التوسط بين طرفين ، والمقام دليل على أن المراد الاقتصاد في الكفر لوقوع تذييله بقوله { وما يجحد بآياتنا إلاّ كل خَتّار كفور } ولقوله في نظيره في سورة العنكبوت ( 65 ) { فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون } وقد يطلق المقتصد على الذي يتوسط حالُه بين الصلاح وضده .

كما قال تعالى : { منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون } [ المائدة : 66 ] والجاحد الكفور : هو المُفرط في الكفر والجَحد . والجُحود : الإنكار والنفي . وتقدم عند قوله تعالى : { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } في سورة الأنعام ( 33 ) . وعلم أن هنالك قسماً ثالثاً وهو الموقن بالآيات الشاكر للنعمة وأولئك هم المؤمنون . قال في سورة فاطر ( 32 ) { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } وهذا الاقتصار كقول جرير :

كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهم *** من العبيد وثلث من مواليها

أي : والثلث الآخر من أنفسهم .

والخَتَّار : الشديد الختر ، والختر : أشدّ الغدر .

وجملة { وما يجحد } إلى آخرها تذييل لأنها تعم كل جاحد سواء من جحد آية سير الفلك وهول البحر ويجحد نعمة الله عليه بالنجاة ومن يجحد غير ذلك من آيات الله ونعمه . والمعنى : ومنهم جاحد بآياتنا . وفي الانتقال من الغيبة إلى التكلم في قوله { بآياتنا } التفات .

والباء في { بآياتنا } لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل قوله { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] ، وقول النابغة :

لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً

وقوله تعالى : { وما نرسل بالآيات إلاَّ تخويفاً } [ الإسراء : 59 ] .