المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

34- واذكر - يا أيها النبي - حين قلنا للملائكة : اخضعوا لآدم تحية له وإقراراً بفضله ، فأطاع الملائكة كلهم إلا إبليس ، امتنع عن السجود وصار من العاصين له والكافرين بنعم الله وحكمته وعلمه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم ، إكراما له وتعظيما ، وعبودية لله تعالى ، فامتثلوا أمر الله ، وبادروا كلهم بالسجود ، { إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى } امتنع عن السجود ، واستكبر عن أمر الله وعلى آدم ، قال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } وهذا الإباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه ، فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره .

وفي هذه الآيات من العبر والآيات ، إثبات الكلام لله تعالى ، وأنه لم يزل متكلما ، يقول ما شاء ، ويتكلم بما شاء ، وأنه عليم حكيم ، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم ، واتهام عقله ، والإقرار لله بالحكمة ، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة ، وإحسانه بهم ، بتعليمهم ما جهلوا ، وتنبيههم على ما لم يعلموه .

وفيه فضيلة العلم من وجوه :

منها : أن الله تعرف لملائكته ، بعلمه وحكمته ، ومنها : أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم ، وأنه أفضل صفة تكون في العبد ، ومنها : أن الله أمرهم بالسجود لآدم ، إكراما له ، لما بان فضل علمه ، ومنها : أن الامتحان للغير ، إذا عجزوا عما امتحنوا به ، ثم عرفه صاحب الفضيلة ، فهو أكمل مما عرفه ابتداء ، ومنها : الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن ، وبيان فضل آدم ، وأفضال الله عليه ، وعداوة إبليس له ، إلى غير ذلك من العبر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

وبعد أن بين القرآن في الآيات السابقة بعض الكرامات التي خص الله بها آدم ، انتقل إلى بيان كرامة أخرى أكرم الله بها آدم - عليه السلام - وهي أمره للملائكة بالسجود له ، ثم بيان ما حصل بينه وبين إبليس ، فقال - تعالى - :

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر . . . }

قوله - تعالى - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ . . . } إلخ ، معطوف على قوله - تعالى قبل ذلك { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ . . . . } إلخ ، من باب عطف القصة على القصة ، وإعادة ( إذ ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه ، تنبيه على أن الجملة مقصودة بذاتها ، لأنها متميزة بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال والاهتمام .

والسجود : لغة التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وغيره ، وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .

وللعلماء في كيفية السجود الذي أمر به الملائكة لآدم أقوال : أرجحها أن السجود المأمور به في الآية يحمل على المعنى المعروف في اللغة ، أي : أن الله - تعالى - أمرهم بفعل تجاه آدم يكون مظهراً من مظاهر التواضع والخضوع له تحية وتعظيماً ، وإقراراً له بالفضل دون وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة ، إذ عبادة غير الله شرك يتنزه الملائكة عنه .

وعلى هذا الرأي سار علماء أهل السنة . وقيل : إن السجود كان لله ، وآدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون تحية له ، وإلى هذا الرأي اتجه علماء المعتزلة ، وقد قالوا ذلك هرباً من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ، فإن أهل السنة قالوا : إبليس من الملائكة ، والصالحون من البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم ، وخالفت المعتزلة في ذلك ، وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة .

والذي نراه أن ما سار عليه أهل السنة أرجح ، لأن ما ذهب إليه المعتزلة يبعده أن المقام مقام لإِظهار فضل آدم هو لون من الابتلاء والاختبار ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وينفذ ما سبق به العلم ، واقتضته المشيئة والحكمة :

ثم بين - سبحانه - ما حدث من الملائكة ومن إبليس فقال :

{ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين } .

إبليس : اسم مشتق من الإِبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس ، وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمي ، ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وهو كائن حي ، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه . قال - تعالى - { يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } وقوله : { أبى واستكبر } الإِباء : الامتناع عن الفعل أنفة مع التمكن منه . والاستكبار : التكبر والتعاظم والغرور ، بمعنى أن يرى الشخص في نفسه علواً على غيره ، وهو خلق مذموم .

وكان في قوله : { وَكَانَ مِنَ الكافرين } بمعنى صار .

وجاء العطف في قوله { فَسَجَدُواْ . . . } بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، ولم يصدهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق ، مظهر فساد وسفك دماء ، لأنهم منزهون عن المعاصي .

وللعلماء في كون إبليس من الملائكة أم لا قولان :

أحدهما : أنه كان منهم لأنه - سبحانه - أمرهم بالسجود لآدم ، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود ، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصياً ، ولما استحق الخزي والنكال .

ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه . وقد اختار هذا الرأي ابن عباس ، وابن مسعود وجمهور المفسرين .

وقيل إنه ليس منهم لقوله - تعالى - { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإِنس ، ولأنه خلق من نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة . وقد اختار هذا القول الحسن وقتادة وغيرهما .

وقد حاول ابن القيم أن يجمع بين الرأيين فقال : والصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول واحد ، فإن إبليس كان من الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله . كان من نار وأصل الملائكة من نور ، فالنافي كونه من الملائكة . والمثبت لم يتواردا على محل واحد .

ولما كان استثناء إبليس من الساجدين لا يدل على أنه ترك السجود عصياناً ، إذ قد يكون تركه لعذر ، دل بقول : { أبى واستكبر } على أنه امتنع من السجود أنفة ، وتعاظماً ، وأردف هذا التعاظم والغرور باعتراضه على الله - في تفصيل آدم ، فصار بذلك في فريق الكافرين ، ولذا ختمت الآية بقوله - تعالى - : { وَكَانَ مِنَ الكافرين } أي : صار بسبب عصيانه واستكباره من الكافرين بالله ، الجاحدين لنعمه ، البعيدين عن رحمته ورضوانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

30

( وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم . فسجدوا ) . .

إنه التكريم في أعلى صوره ، لهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، ولكنه وهب من الأسرار ما يرفعه على الملائكة . لقد وهب سر المعرفة ، كما وهب سر الإرادة المستقلة التي تختار الطريق . . إن ازدواج طبيعته ، وقدرته على تحكيم إرادته في شق طريقه ، واضطلاعه بأمانة الهداية إلى الله بمحاولته الخاصة . . إن هذا كله بعض أسرار تكريمه .

ولقد سجد الملائكة امتثالا للأمر العلوي الجليل .

( إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) . .

وهنا تتبدى خليقة الشر مجسمة : عصيان الجليل سبحانه ! والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله . والعزة بالإثم . والاستغلاق عن الفهم .

ويوحي السياق أن إبليس لم يكن من جنس الملائكة ، إنما كان معهم . فلو كان منهم ما عصى . وصفتهم الأولى أنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) . . والاستثناء هنا لا يدل على أنه من جنسهم ، فكونه معهم يجيز هذا الاستثناء ، كما تقول : جاء بنو فلان إلا أحمد . وليس منهم إنما هو عشيرهم وإبليس من الجن بنص القرآن ، والله خلق الجان من مارج من نار . وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة .

/خ39

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته ، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم . وقد دل على ذلك أحاديث - أيضا - كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى ، عليه السلام : " رَبِّ ، أرني آدم الذي أخرجنا ونفسَه من الجنة " ، فلما اجتمع به قال : " أنت آدم الذي خلقه{[1534]} الله بيده ، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته " . قال . . . وذكر الحديث كما سيأتي .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشْر بن عُمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : كان إبليس من حَيّ من أحياء الملائكة يقال لهم : الجِنّ ، خلقوا من نار السموم ، من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، قال : وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، [ وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال : وخلق الإنسان من طين ]{[1535]} . فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا . قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي يقال لهم : الجنّ - فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما فعل إبليس ذلك اغتَرّ في نفسه ، فقال : قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد . قال : فاطلع الله على ذلك من قلبه ، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه ، فقال الله تعالى للملائكة الذين معه : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً } فقالت الملائكة مجيبين له : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثتنا عليهم{[1536]} لذلك ؟ فقال : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } يقول : إني قد اطلعت من{[1537]} قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ، قال : ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب : اللزج الصلب{[1538]} من حمإ مسنون منتن ، وإنما كان حَمَأ مسنونا بعد التراب . فخلق منه آدم بيده ، قال : فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى . فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل ، أي فيصوت . قال : فهو قول الله تعالى : { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } يقول : كالشيء المنفرج الذي ليس [ الرحمن : 14 ] بمُصْمَت . قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من{[1539]} دبره ، ويخرج من فيه . ثم يقول : لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت ، ولئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنك ، ولئن سُلِّطْتُ علي لأعْصيَنَّك . قال : فلما نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودمًا ، فلما انتهت النفخة إلى سُرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تعالى : { وَكَانَ{[1540]} الإنْسَانُ عَجُولا } قال : ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء . قال : فلما تمت النفخة في جسده عطس ، فقال : " الحمد لله رب العالمين " بإلهام الله . فقال [ الله ]{[1541]} له : " يرحمك الله يا آدم{[1542]} " . قال ثم قال [ الله ]{[1543]} تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات : اسجدوا لآدم . فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر ، لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار . فقال : لا أسجد له ، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا ، خلقتني{[1544]} من نار وخلقته من طين . يقول : إن النار أقوى من الطين . قال : فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله ، أي : آيسه من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عُقُوبة لمعصيته ، ثم عَلَّم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني : الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم ، وقال لهم : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ } يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة . قال : فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب ، الذي لا يعلمه غيره ، الذي ليس لهم به علم قالوا : سبحانك ، تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، وتبنا إليك { لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا } تبريا منهم من علم الغيب ، إلا ما علمتنا كما علمت آدم ، فقال : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يقول : أخبرهم بأسمائهم { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ } [ يقول : أخبرهم ]{[1545]} { بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أيها الملائكة خاصة { إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } ولا يعلم غيري { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } يقول : ما تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني : ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار{[1546]} .

هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر ، يطول مناقشتها ، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور .

وقال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرّة ، عن ابن سعود ، وعن أناس من أصحاب النبي{[1547]} صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على مُلْك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم : الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع مُلْكه خازنا ، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة . فلما وقع ذلك الكبر في نفسه{[1548]} اطلع الله على ذلك منه . فقال الله للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً } قالوا{[1549]} : ربنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . قالوا : ربنا ، { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } يعني : من شأن إبليس . فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تَقْبض{[1550]} مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ ، وقال : رب مني{[1551]} عاذت بك فأعذتُها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث مَلَك الموت فعاذت منه . فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخَلَطَ ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فَصعِد به فَبَلَّ التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب : هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم قال للملائكة : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص : 71 ، 72 ] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له : تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه . فخلقه{[1552]} بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم فزعا منه{[1553]} إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة . فذلك حين يقول : { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } [ الرحمن : 14 ] ويقول : لأمر ما خُلقت . ودخل من فيه فخرج من دبره ، وقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم صَمَدٌ وهذا أجوف . لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه ، عَطِسَ ، فقالت الملائكة : قل : الحمد لله . فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل الروح في{[1554]} جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ{[1555]} الروح رجليه عجلان{[1556]} إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول تعالى : { خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء : 37 ] { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } [ الحجر : 30 ، 31 ] أبى واستكبر وكان من الكافرين . قال الله له : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال : أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لمن{[1557]} خلقته من طين . قال الله له : اخرج منها فما يكون لك ، يعني : ما ينبغي لك { أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } [ الأعراف : 13 ] والصغار : هو الذل . قال : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا } ثم عرض الخلق على الملائكة { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا{[1558]} { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } قال الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } فهذا الذي أبدوا " وأعلم ما تكتمون " يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .

فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السُّدِّي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مُدْرَج{[1559]} ليس من كلام الصحابة ، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة . والله أعلم . والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء ، ويقول : [ هو ]{[1560]} على شرط البخاري .

والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم ؛ لأنه - وإن لم يكن من عُنْصرهم - إلا أنه كان قد{[1561]} تشَبَّه بهم وتوسم بأفعالهم ؛ فلهذا دخل في الخطاب لهم ، وذم في مخالفة الأمر . وسنبسط المسألة إن - شاء الله تعالى - عند قوله : { إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] .

ولهذا قال : محمد بن إسحاق ، عن خلاد ، عن{[1562]} عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل{[1563]} ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا ، وأكثرهم علما ؛ فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جِنًّا .

وفي رواية عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس - أو مجاهد - عن ابن عباس ، أو غيره ، بنحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد{[1564]} بن سليمان ، حدثنا عباد - يعني : ابن العوام - عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : كان إبليس اسمه عزازيل{[1565]} ، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد .

وقال سُنَيْد{[1566]} ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : كان{[1567]} إبليس من أشراف{[1568]} الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض .

وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس ، سواء .

وقال صالح مولى التَّوْأمة ، عن ابن عباس : إن من الملائكة قَبيلا يقال لهم : الجن ، وكان إبليس منهم ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما . رواه ابن جرير .

وقال قتادة عن سعيد بن المسيب : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عدي بن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قَط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس . وهذا إسناد صحيح عن الحسن . وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء .

وقال شَهْر بن حَوْشَب : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء ، رواه ابن جرير .

وقال سُنَيْد بن داود : حدثنا هُشَيم ، أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل ، عن سعد{[1569]} بن مسعود ، قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة ، فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا ، فأبى إبليس . فلذلك قال تعالى : { إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ } [ الكهف : 50 ] .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا أبو عاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم . فقالوا : لا نفعل . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : " إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم . قال : فأبوا . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق هؤلاء ، فقال : اسجدوا لآدم ، قالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم{[1570]} . وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده ، فإن فيه رجلا مبهما ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم .

وقال قتادة في قوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } فكانت الطاعة لله ، والسجدة أكر الله آدم بها أن أسجد له ملائكته .

وقال في قوله تعالى : { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } حسد عدو الله إبليسُ آدمَ ، عليه السلام ، على ما أعطاه الله من الكرامة ، وقال : أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ ، وكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدوُّ الله أن يسجد لآدم ، عليه السلام .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا صالح بن حيان ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة : قوله تعالى : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } من الذين أبوا ، فأحرقتهم النار .

وقال أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } يعني : من العاصين .

وقال السدي : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } الذين لم يخلقهم الله يومئذ يكونون بعد .

وقال محمد بن كعب القُرَظِيُّ : ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره إلى ما أبدى عليه خلقه من الكفر ، قال الله تعالى : { وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }

وقال بعض الناس : كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام ، كما قال تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } [ يوسف : 100 ] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ{[1571]} : قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، فقال : " لا لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " {[1572]} ورجحه الرازي ، وقال بعضهم : بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال : { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } [ الإسراء : 78 ] وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر أن القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وسلامًا ، وهي طاعة لله ، عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر : أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال .

قلت : وقد ثبت في الصحيح : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر " {[1573]} وقد كان في قلب إبليس من الكبر - والكفر - والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس ؛ قال بعض المعربين : وكان من الكافرين أي : وصار من الكافرين بسبب امتناعه ، كما قال : { فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } [ هود : 43 ] وقال { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } [ البقرة : 35 ] وقال الشاعر :

بتيهاء قفر والمطي كأنها *** قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها

أي : قد صارت ، وقال ابن فورك : تقديره : وقد كان في علم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي ، وذكر هاهنا مسألة فقال : قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه . ثم استدل على ما قال : بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافي الله بالإيمان ، وهو لا يقطع لنفسه بذلك ، يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر .

قلت : وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي ، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر ، أيضا ، بما ثبت عن ابن صياد أنه قال : هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [ الدخان : 10 ] ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة . وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي : قلت للشافعي : كان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فقال الشافعي : قصر الليث ، رحمه الله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، وقد حكى فخر الدين وغيره قولين للعلماء : هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض ، أو عام بملائكة السماوات والأرض ، وقد رجح كلا من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم : { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ } [ الحجر : 30 ، 31 ، ص : 73 ، 74 ] ، فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أعلم .


[1534]:في ب، أ، و: "خلقك".
[1535]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1536]:في جـ: "إليهم".
[1537]:في جـ: "على".
[1538]:في ب، أ، و: "الطيب".
[1539]:في ب: "في".
[1540]:في هـ: "وخلق"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الصواب
[1541]:زيادة من أ، و:
[1542]:في جـ: "يرحمك يا آدم ربك".
[1543]:زيادة من جـ.
[1544]:في جـ: "فخلقتني".
[1545]:زيادة من أ، و.
[1546]:تفسير الطبري (1/455).
[1547]:في جـ، ط، ب: "رسول الله".
[1548]:في جـ: "في صدره".
[1549]:في طـ، ب: "فقالوا".
[1550]:في أ، و: "تنقص".
[1551]:في جـ، ط، ب: "رب إنها".
[1552]:في جـ، ط: "بخلقه".
[1553]:في جـ، ب، ط: "أشدهم منه فزعا".
[1554]:في جـ: "إلى".
[1555]:في جـ: "أن يدخل".
[1556]:في جـ: "عجلا".
[1557]:في جـ، ب: "لبشر".
[1558]:في أ، و: "فقالوا له".
[1559]:في ب: "مدرجا".
[1560]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1561]:في جـ: "قد كان".
[1562]:في جـ، ط، ب: "خلاد بن".
[1563]:في جـ، ط، ب: "عزرائيل".
[1564]:في ب: "سعد".
[1565]:في جـ: "عزرائيل".
[1566]:في جـ: "سعيد".
[1567]:في جـ: "وكان".
[1568]:في جـ: "من أشرف".
[1569]:في جـ "سعيد".
[1570]:تفسير الطبري (1/508).
[1571]:في و: "معاوية".
[1572]:رواه أحمد في المسند (5/227).
[1573]:صحيح مسلم برقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } لما أنبأهم بأسمائهم وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له ، اعترافا بفضله ، وأداء لحقه واعتذارا عما قالوا فيه ، وقيل : أمرهم به قبل أن يسوي خلقه لقوله تعالى : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } امتحانا لهم وإظهارا لفضله . والعاطف عطف الظرف على الظرف السابق إن نصبته بمضمر ، وإلا عطفه بما يقدر عاملا فيه على الجملة المتقدمة ، بل القصة بأسرها على القصة الأخرى ، وهي نعمة رابعة عدها عليهم . والسجود في الأصل تذلل مع تطامن قال الشاعر :

ترى الأكم فيها سجدا للحوافر *** . . .

وقال آخر :

وقلن له اسجد لليلى فاسجدا *** . . .

يعني البعير إذا طأطأ رأسه . وفي الشرع : وضع الجبهة على قصد العبادة ، والمأمور به إما المعنى الشرعي فالمسجود له بالحقيقة هو الله تعالى ، وجعل آدم قبلة لسجودهم تفخيما لشأنه ، أو سببا لوجوبه فكأنه تعالى لما خلقه بحيث يكون نموذجا للمبدعات كلها بل الموجودات بأسرها ، ونسخة لما في العالم الروحاني والجسماني وذريعة للملائكة إلى استيفاء ما قدر لهم من الكمالات ، ووصلة إلى ظهور ما تباينوا فيه من المراتب والدرجات ، أمرهم بالسجود تذللا لما رأوا فيه من عظيم قدرته وباهر آياته ، وشكرا لما أنعم عليهم بواسطته ، فاللام فيه كاللام في قول حسان رضي الله تعالى عنه :

أليس أول من صلى لقبلتكم *** وأعرف الناس بالقرآن والسنن

أو في قوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس }

وأما المعنى اللغوي وهو التواضع لآدم تحية وتعظيما له ، كسجود إخوة يوسف له ، أو التذلل والانقياد بالسعي في تحصيل ما ينوط به معاشهم ويتم به كمالهم . والكلام في أن المأمورين بالسجود ، الملائكة كلهم ، أو طائفة منهم ما سبق .

{ فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر } امتنع عما أمر به ، استكبارا من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه ، أو يعظمه ويتلقاه بالتحية ، أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه . والإباء : امتناع باختيار . والتكبر أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره . والاستكبار طلب ذلك بالتشبع .

{ وكان من الكافرين } أي في علم الله تعالى ، أو صار منهم باستقباحه أمر الله تعالى إياه بالسجود لآدم اعتقادا بأنه أفضل منه ، والأفضل لا يحسن أن يؤمر بالتخضع للمفضول والتوسل به كما أشعر به قوله : { أنا خير منه }جوابا لقوله : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين } . لا بترك الواجب وحده . والآية تدل على أن آدم عليه السلام أفضل من الملائكة المأمورين بالسجود له ، ولو من وجه ، وأن إبليس كان من الملائكة وإلا لم يتناوله أمرهم ولا يصح استثناؤه منهم ، ولا يرد على ذلك قوله سبحانه وتعالى : { إلا إبليس كان من الجن } لجواز أن يقال إنه كان من الجن فعلا ومن الملائكة نوعا ، ولأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روي : أن من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس . ولمن زعم أنه لم يكن من الملائكة أن يقول : إنه كان جنيا نشأ بين أظهر الملائكة ، وكان مغمورا بالألوف منهم فغلبوا عليه ، أو الجن أيضا كانوا مأمورين مع الملائكة لكنه استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم ، فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به ، علم أن الأصاغر أيضا مأمورون به ، والضمير في فسجدوا راجع إلى القبيلين كأنه ، قال فسجد المأمورون بالسجود إلا إبليس ، وأن من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم عدم العصمة ، كما أن من الإنس معصومين والغالب فيهم عدم العصمة ، ولعل ضربا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات ، وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن يشملهما . وكان إبليس من هذا الصنف كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلذلك صح عليه التغير عن حاله والهبوط من محله ، كما أشار إليه بقوله عز وعلا : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } لا يقال : كيف يصح ذلك والملائكة خلقت من نور والجن من نار ؟ لما روت عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال : " خلقت الملائكة من النور ، وخلق الجن من مارج من نار " لأنه كالتمثيل لما ذكرنا فإن المراد بالنور الجوهر المضيء والنار كذلك ، غير أن ضوءها مكدر مغمور بالدخان محذور عنه بسبب ما يصحبه من فرط الحرارة والإحراق ، فإذا صارت مهذبة مصفاة كانت محض نور ، ومتى نكصت عادت الحالة الأولى جذعة ولا تزال تتزايد حتى ينطفئ نورها ويبقى الدخان الصرف ، وهذا أشبه بالصواب وأوفق للجمع بين النصوص ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى .

ومن فوائد الآية استقباح الاستكبار وأنه قد يفضي بصاحبه إلى الكفر ، والحث على الائتمار لأمره وترك الخوض في سره ، وأن الأمر للوجوب ، وأن الذي علم الله تعالى من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة ، إذ العبرة بالخواتم وإن كان بحكم الحال مؤمنا وهو الموافاة المنسوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى .