بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

33

وهو قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ } ، فأصل السجود في اللغة : هو الميلان والخضوع ، والعرب تقول : سجدت النخلة إذا مالت ، وسجدت الناقة إذا طأطأت رأسها ومالت . وإنما كانت تلك سجدة التحية لا سجدة العبادة ، وكانت السجدة تحية لآدم عليه السلام وطاعة لله عز وجل { فَسَجَدُواْ } كلهم { إِلاَّ إِبْلِيسَ } . يقال : إبليس اسم أعجمي ولذلك لا ينصرف وهو قول أبي عبيدة . وقال غيره : هو من أبلس يبلس إذا يئس من رحمة الله ، وكذا قال ابن عباس في رواية أبي صالح : أنه أيئسه من رجسته . وكان اسمه عزازيل ويقال : عزاييل ؛ وإنما لن ينصرف لأنه لا سمي له فلا يستثقل فاشتُقّ . وقال ابن عباس رضي الله عنه : إنما سمي آدم ، لأنه خلقه من أديم الأرض . وروي عن قطرب أنه قال : هذا الخبر لا يصح لأن العربية لا توافقه . وقال بعض أهل اللغة : مأخوذ من الأدمة ، وهو الذي يكون من لونه سمرة . { إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر } أي امتنع عن السجود تكبراً : معناه أن كبره منعه من السجود .

وقوله : { وَكَانَ مِنَ الكافرين } أي وصار من الكافرين ، كما قال في آية أخرى { قَالَ سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين } [ هود : 43 ] ، أي صار من المغرقين . وقال بعضهم : { كان من الكافرين } ، أي كان في علم الله من الكافرين ، يعني أنه يكفر . وبعضهم قال بظاهر الآية كان كافراً في الأصل . وهذا قول أهل الجبر . وقالوا : كل كافر أسلم ظهر أنه كان مسلماً في الأصل ، وكل مسلم كفر ظهر أنه كان كافراً في الأصل ، لأنه كان كافراً يوم الميثاق . ألا ترى أن الله تعالى قال في قصة بلقيس { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين } [ النمل : 43 ] ولم يقل إنها كانت كافرة ، وقال في قصة إبليس { وَكَانَ مِنَ الكافرين } . وقال أهل السنة والجماعة : الكافر إذا أسلم كان كافراً إلى وقت إسلامه ، وإنما صار مسلماً بإسلامه إلا أنه غفر له ما قد سلف . والمسلم إذا كفر كان مسلماً إلى ذلك الوقت ، إلا أنه حبط عمله .