اذكُر يا محمد حين قلنا للملائكة اسجُدوا سجود خضوع وتحيّة لآدم ، ( لا سجود عبادة ، فالمعبود هو الله وحده ) ، فصدعوا للأمر الرباني وسجدوا .
وقد جاء السجودُ في القرآن بمعنى غير العبادة كما هو هنا ، وفي سورة يوسف { وَرَفَعَ أبويْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } [ 100 ] أي : تحيةً ، كما هي العادة التي كان الناس يتبعونها في تحية الملوك والعظماء .
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى وامتنع ، لقد استكبر ، فلم يطع أمر الحق ، ترفعاً عنه ، وزعماً بأنه خيرٌ من آدم ، كما ورد في سورة الأعراف { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ 11 ] . وكان من الكافرين بِنِعم الله وحكمته وعلمه .
وقد التبسَ على بعض الغربيّين أمرُ السجود ، وذلك ديدنُهُم في النقد كلّما وجدوا له فرصة في قصص القرآن . قال : " بابيني " الإيطالي صاحب كتاب " الشيطان " : " إنه يستغرب أن يؤْمر إبليس بالسجود لآدم مع غلوّ القرآن في تحريم الشِرك وتنزيه الوحدانية الإلَهية " . فهو إما أنه لا يعرف أن السجود قد يكون للتحية والتكريم ، أو أنه من أولئك المتعصّبين الذين لا يريدون أن يفهموا . وهؤلاء لا حيلة لنا معهم ، وهم في الغرب كثيرون .
وإبليس : أشهر اسم للشيطان الأكبر ، ومن أشهر أسمائه في اللغات : " لوسيفر "
و " بعلزبول " و " مغستوفليس " و " عزازيل " . وقد تقدم أن الشيطانَ كل عاتٍ ومتمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء ، وهذه الأسماء تمثل قوةَ الشر الكبرى في العالم في موقفها أمام عوامل الخير والكمال .
والشيطان كلمةٌ عربية أصيلة ، لأن اللغة اشتملت على كل أصل يمكن أن يتفرع منه لفظ الشيطان ، ففيها مادة شط وشاط وشطَنَ وشَوَط ، وكل هذه الألفاظ تدل على البُعد والضلال والتلهُّب والاحتراق . وهي تستوعب أصول المعاني التي تُفهم من كلمة شيطان . وقد كان العرب يسمّون الثعبان الكبير شيطاناً ، وبذلك فسّر بعض المفسّرين قوله تعالى : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين } [ الصافات : 65 ] أي : الأفاعي ، وورد كثيرا في الشعر العربي .
ويرى بعضهم أن " إبليس " مأخوذ من الإبلاس ، ومعناه : النَّدم والحُزن واليأس من الخير .
فيما يقول بعضهم : إنه أعجمي . .
لكنه على كل حال يدل على الفتنة والفساد .
وإبليس من الجن ، لما ورد بصراحة في القرآن { وَإذا قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ البقرة : 34 . . ] .
قال الزمخشري : «جنّيُّ الملائكةِ والجن واحد ، لكن من خَبُثَ من الجن وتمرد شيطان ، ومن تطهّر ملَك » . وقال الراغب : «الجن يقال على وجهين أحدهما للروحانيين المستترين عن الحواس كلها بإزاء الإنس ، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة كلها » .
ويقول في تفسير المنار : «وليس عندنا دليل على أن بين الملائكة والجن فصلاً جوهرياً يميز أحدهما عن الآخر ، وإنما هو اختلاف أصنافٍ عندما تختلف أوصاف ، كما ترشد إليه الآيات . وعلى كل حال فإن جميع هذه المسمّيات بهذه الأسماء من عالم الغيب لا نعلم حقائقها ولا نبحث عنها » ، فعلينا أن نؤمن بها كما وردت .
ولا يهمنا إن كان إبليس من الملائكة أو من الجن ، فهذا جدلٌ لا طائل تحته ، والمهم أنه عصى ربه ، وأصبح عنواناً على الشر والطغيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.