فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

{ فاسجدوا } فاخضعوا

{ إبليس } جني أسكنه الله السماء حينا ثم أهبطه إلى الأرض { أبى } امتنع

{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }{ وإذ قلنا } ؛ أي واذكر . . . { قلنا } ولم يقل قلت لأن الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة بذكره . . . { اسجدوا } السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع . . . استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة { اسجدوا لآدم } وذلك يدل أنه كان أفضل منهم . . واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة فقال الجمهور كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض كالسجود المعتاد في الصلاة لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع . . . واختلف أيضا هل كان السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا الله تعالى أم كان جائزا بعده إلى زمن يعقوب عليه السلام لقوله تعالى { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا }{[205]} فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين ؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسوله صلى الله عليه وسلم{[206]} { إلا إبليس } . . . قال ابن زيد والحسن . . . إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكا . . . والاستثناء على هذا منقطع مثل قوله تعالى : { . . ما لهم به من علم إلا اتباع الظن . . . }{[207]} . . . واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله عز وجل وصف الملائكة فقال : { . . . لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }{[208]} وقوله تعالى : { . . إلا إبليس كان من الجن . . }{[209]} والجن غير الملائكة ، . . . { أبى } معناه : امتنع من فعل ما أمر به{[210]} { واستكبر } تأنف واستعظم ، وكره أن يستجيب ما أمره الله تعالى به ، كما حكى القرآن قيله ، في آية كريمة : { أأسجد لمن خلقت طينا }{[211]} وفي آية أخرى : { قال أرأيت هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا }{[212]} ؛ وفي آية ثالثة : { قال أنا خير منه خلقتني من النار وخلقته من طين }{[213]} وفي آية رابعة { قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون }{[214]} { وكان } أي وصار من الكافرين وظهر أنه جاحد بحق المولى وحقه جل علاه أن يطاع فلا يعصى لكن الاستكبار يعمي البصائر ويستنزل السخط ويستوجب العقاب وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ) وفي رواية قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال ( إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ) أخرجه مسلم ، ومعنى بطر الحق : تسفيهه وإبطاله ، وغمط الناس : الاحتقار لهم والازدراء بهم ولقد حمل الكبر ناسا على إنكار الحق واليوم الحق وفيهم يقول الحق سبحانه { . . . فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } {[215]} فحل بهم مقت الله : { . . . إنه لا يحب المستكبرين }{[216]} وأحلهم دار البوار { . . . فلبئس مثوى المتكبرين }{[217]} وجند الله المكرمون لا يستنكفون عن الخضوع للملك المهيمن جل علاه { . . . وهم لا يستكبرون }{[218]} .


[205]:سورة يوسف من الآية 100.
[206]:روى أن بعضا من أصحاب النبي قالوا حين سجدت لهم الشجرة والجمل: نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد؛ فقال لهم " لا ينبغي أن أسجد لأحد إلا الله رب العالمين" وروى ابن ماجه في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال: لما قدم معاد ابن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما هذا" ؟ فقال يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل ذلك بك فقال " فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " لفظ البستي ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب رحل صغير على قدر السنام عند الولادة وفي بعض طرق معاذ ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.
[207]:سورة النساء. من الآية 157
[208]:سورة التحريم. من الآية 6.
[209]:سورة. الكهف. من الآية 50.
[210]:بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن
[211]:سورة الإسراء. من الآية 71
[212]:مسورة الإسراء. من الآية 62.
[213]:سورة ص الآية 76.
[214]:سورة الحجر الآية 33.
[215]:سورة النحل من الآية 22.
[216]:سورة النحل من الآية 23.
[217]:سورة النحل الآية 29.
[218]:سورة النحل الآية 49.