المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

20- إن هذا البرق الشديد يكاد يخطف منهم أبصارهم لشدته ، وهو يضيء لهم الطريق حيناً فيسيرون خطوات مستعينين بضوئه ، فإذا انقطع البرق واشتد الظلام يقفون متحيرين ضالين ، وهؤلاء المنافقون تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها فيهمون أن يهتدوا ، ولكنهم بعد قليل يعودون إلى الكفر والنفاق . إن الله واسع القدرة إذا أراد شيئاً فعله ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي : وقفوا .

فهكذا حال{[60]}  المنافقين ، إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ، جعلوا أصابعهم في آذانهم ، وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ، فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده ، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ، ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد ، ويجعل{[61]}  أصابعه في أذنيه{[62]}  خشية الموت ، فهذا تمكن له{[63]} السلامة . وأما المنافقون فأنى لهم السلامة ، وهو تعالى محيط بهم ، قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه ، بل يحفظ عليهم أعمالهم ، ويجازيهم عليها أتم الجزاء .

ولما كانوا مبتلين بالصمم ، والبكم ، والعمى المعنوي ، ومسدودة عليهم طرق الإيمان ، قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي : الحسية ، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ، ليحذروا ، فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم ، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء ، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض .

وفي هذه الآية وما أشبهها ، رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى ، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


[60]:- في ب: حالة.
[61]:- في ب: فيجعل.
[62]:- كذا في ب، وفي أ: أذنه.
[63]:- في ب: ربما حصلت له.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ثم قال - تعالى - : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } .

يكاد من الأفعال التي تدخل على اسم يسند إليه فعل بعده نحو { البرق يَخْطَفُ } . فتدل على أن المسند إليه وهو البرق قد قارب أن يقع منه الفعل وهو خطف الأبصار .

والخطف : الأخذ بسرعة . والأبصار : جمع بصر ، وهو قوة مودعة في العين يدرك بها الألوان والأشكال . والمعنى : أن البرق لشدة لمعانه يقرب من أن يخطف أبصارها ، وهو تصوير بليغ الشدة ذلك البرق ، وترك بيان شدة الرعد اكتفاء بما ذكره في جانب البرق ، ولم يذكر توقيهم للأعين بوضع شيء عليها اكتفاء بما ذكره في توقي الآذان أو لأنهم شغلوا بالآذان عن الأعين .

وقوله - تعالى - : { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وصف رائع لما يصنعه أهل الصيب في حالتي ظهور البرق واختفائه .

وكل ظرف ، وما مصدرية ولا تصالها بكل أفادت الشرط والعامل فيها هو جوابها وهو { مَّشَوْاْ } و { أَضَآءَ } و { أَظْلَمَ } من الإِظلام وهو اختفاء النور . { قَامُواْ } أي وقفوا وثبتوا في مكانهم . من قام الماء إذا جمد . ويقال : قامت الدابة إذا وقفت .

والمعنى : أنهم إذا صادفوا من البرق وميضاً انتهزوا ذلك الوميض فرصة ، فخطوا خطوات يسيرة ، وإذا خفى لمعانه وقفوا في مكانهم ، فالجملة الكريمة تدل على فرط حرصهم على النجاة من شدة ما هم فيه من أهوال .

ثم قال - تعالى - : { وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } .

لو : أداة شرط ، وشاء بمعنى أراد . أي : لو أراد الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لزاد في قصف الرعد فأصمهم ، وفي ضوء البرق فاعماهم . أو يقال : إن قصف الرعد ولمعان البرق المذكورين في المثل سببان كافيان لأن يذهبا بسمع ذوي الصيب وأبصارهم لو شاء الله ذلك . فيكون قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ } ، إشعاراً بأن تأثير الأسباب في مسبباتها إنما هو بإرادته - تعالى - . وخص السمع والبصر بالذهاب مع أنها من جملة مشاعرهم ، لأهميتها . ولأنها هي التي سبق ذكرها ، أو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى ، لأنه إذا كان قادراً على إذهاب ما حافظوا عليه ، كان قادراً على غيره من باب أولى .

ثم ختم الآية بقوله - تعالى - { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

الشيء في أصل اللغة كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، ويحمل في هذه الآية على الممكن خاصة موجوداً كأن أو معدوماً ، لأن القدرة إنما تتعلق بالممكنات دون الواجب والمستحيل .

والقدير : الفعال لما يريد ، يقال : قدره على الشيء أقدره قدرة وقدراً .

وهذه الجملة الكريمة بمنزلة الاستدلال على ما تضمنته الجملة السابقة من أن الله تعالى قادر على أن يذهب بأسماع أصحاب الصيب وأبصارهم متى شاء .

وتطبيق هذا المثل على المنافقين يقال فيه : إن أصحاب الصيب لضعفهم وخورهم لا يطيقون سماع الرعد الهاثل ، ولا يستطيعون فتح أعينهم في البرق اللامع ، فيجعلون أصابعهم في آذانهم فزعاً من قصف الرعد ، وخوفاً من صواعق تجلجل فوق رءوسهم فتدعهم حصيداً خامدين ، وكذلك حال هؤلاء المنافقين فإنهم لضعف بصائرهم ، وانطماس عقولهم ، تشتد عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه ، فتشمئز قلوبهم ويصرفون عنه أسماعهم خشية أن تتلى عليهم آيات تقع على أسماعهم وقع الصواعق المهلكة . قال ابن كثير : " وذهب ابن جرير ومن تبعه من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين ، وتكون " أو " في قوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ } بمعنى الواو ، كقوله تعالى { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } أو تكون للتخيير ، أي ، اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا ، أو للتساوى مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين . قلت : وهذا يكون باعتبار أجناس المنافقين ، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة بقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي } { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله } { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } الخ . فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم .

/خ20