{ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا }
المراد بالشفاعة هنا : المعاونة على أمر من الأمور ، فمن شفع غيره وقام معه على أمر من أمور الخير -ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم- كان له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه ، ولا ينقص من أجر الأصيل والمباشر شيء ، ومَنْ عاون غيره على أمر من الشر كان عليه كفل من الإثم بحسب ما قام به وعاون عليه . ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى ، والزجر العظيم عن التعاون على الإثم والعدوان ، وقرر ذلك بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } أي : شاهدًا حفيظًا حسيبًا على هذه الأعمال ، فيجازي كُلًّا ما يستحقه .
ثم رغب - سبحانه المؤمنين فى الخير ، وحذرهم من التوسط فى الشر ، فقال : { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } .
والشفاعة : هى التوسط بالقول فى وصول إنسان إلى منفعة دنيوية أو أخروية ، أو إلى إنقاذه من مضرة . وهى مأخوذة من الشفع وهو الزوج فى العدد ضد الوتر . فكأن المشفوع له كان وترا فجعله الشفيع شفعا .
والنصيب : الحظ من كل شئ . والكفل : الضعف والنصيب والحظ .
قال الجمل : واستعمال الكفل فى الشر أكثر من استعمال الصيب فيه وإن كان كل منهما قد يستعمل فى الخير كما قال - تعالى - { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } ولقلة استعمال النصيب فى الشر وكثرة استعمال الكفيل فيه غاير بينهما فى الآية الكريمة حيث أتى بالكفل مع السيئة وبالنصيب مع الحسنة .
والمعنى : من يشفع شفاعة حسنة ، أى يتوسط فى أمر يترتب عليه خير { يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } أى : يكن له ثواب هذه الشفاعة الحسنة . { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً } وهى ما كانت فى غير طريق الخير { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أى : يكن له نصيب من وزرها وإثمها ، لأن سعى فى الفساد ولم يسع فى الخير .
وإطلاق الشفاعة على السعى فى الشر من باب المشاكلة ، لأن الشافعة لا تطلق إلا على الوساط فى الخير .
والآية الكريمة وإن كانت واردة على سبيل التعميم فى بيان جزاء كل شفاعة حسنة أو كل شفاعة سيئة ، إلا أن المقصود بها قصدا أوليا ترغيب المؤمنين فى أن يعاون بعضهم بعضا على الجهاد فى سبيل الله ، وفى انضمام بعضهم إلى بعض من أجل نصرة الحق ، وتهديد المنافقين الذين كان يشفع بعضهم لبعض لكى يأذن لهم النبى صلى الله عليه وسلم فى التخلف عن الجهاد . وقد رجح هذا الاتجاه الإِمام ابن جرير فقال ما ملخصه :
يعنى - سبحانه - بقوله { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } من يصر يا محمد شفعا لوتر أصحابك ، فيشفعهم فى جهاد عدوهم وقتالهم فى سبيل الله ، وهو الشفاعة الحسنة لم يكن له نصيب منها ، أى يكن له من شفاعته تلك نصيب ، وهو الحظ من ثواب الله وجزيل كرامته . ومن يشفع وتر أهل الكفر بالله على المؤمنين به ، فيقاتلهم وذلك هو الشفاعة السيئة يكن له كفل منها . يعن بالكفل : النصيب والحظ من الوزر والإِثم ، وهو مأخوذ من كفل البعير والمركب ، وهو الكساء أو الشئ يهيأ عليه شبيه بالسرج على الدابة . يقال : جاء فلان مكتفلا : إذا جاء على مركب قد وطئ له . . وقد قيل : إن الآية عنى بها شفاعة الناس بعضهم لبعض . وغير مستنكر أن تكون الآية نزلت فيما ذكر ، ثم عم بذلك كل شافع بخير أو شر .
وإنما اخترنا ما قلنا من القول فى ذلك ؛ لأنه فى سياق الآية التى أمر الله نبيه فيها بحض المؤمنين على القتال . فكان ذلك بالوعد لمن أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوعيد لمن أبى إجابته أشبه منه من الحث على شفاعة الناس بعضهم لبعض التى لم يجر لها ذكر قبل . ولا لها ذكر بعد .
وقوله { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } تذييل قصد به تعريف الناس أنه - سبحانه - سيجازى كل إنسان بعمله ، حتى يكثروا من فعل الخير ويقلعوا عن فعل الشر .
ومقيتا : أى مقتدرا . من أقات على الشئ اقتدر عليه . ومنه قول الزبير ابن عبد المطلب :
وذى ضغن كففت النفس عنه . . . وكنت على مساءته مقيتاً
أى : وكنت على رد إساءته مقتدراً .
أو مقيتا : معناها حفيظا من القوت وهو ما يمسك الرق من الرزق وتحفظ به الحياة : والمعنى : وكان الله تعالى - وما زال على كل شئ مقتدرا لا يعجزه شئ ، وحفيظا على أحوال الناس لا يغيب عنه شئ من ذلك ، وسيجازيهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب .
هذا وقد وردت أحاديث متعددة فى الحض على الشفاعة الحسنة ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن ابى موسى الأشعرى قال : " " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : " اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسانه نبيه ما أحب " " .
قال صاحب الكشاف : والشفاعة الحسنة هى التى روعى بها حق مسلم ، ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير ، وابتغى بها وجه الله ، ولم تؤخذ عليها رشوة ، وكانت فى أمر جائز ، ولا فى حد من حدود الله ولا فى حق من الحقوق - يعنى الواجبة عليه - والسيئة ما كانت بخلاف ذلك . وعن مسروق : أنه شفع شفاعته . فأهدى إليه المشفوع له جارية . فغضب وردها . وقال : لو علمت ما فى قلبك ما تكلمت فى حاجتك . ولا أتكلم فيما بقى منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.