60- واذكروا - يا بني إسرائيل - يوم طلب نبيكم موسى السقيا لكم من ربه حين اشتد بكم العطش في التيه ، فرحمناكم وقلنا لموسى : اضرب بعصاك الحجر . فانفجر الماء من اثنتي عشرة عيناً ، فصار لكل جماعة عين - وكانوا اثنتي عشرة جماعة - فعرفت كل قبيلة مكان شربها ، وقلنا لكم : كلوا من المن والسلوى ، واشربوا من هذا الماء المتفجر ودعوا ما أنتم عليه ، ولا تسرفوا في الإفساد في الأرض بل امتنعوا عن المعاصي .
{ وَإِذِ اسْتَسْقَىَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاسٍ مّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رّزْقِ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ }
عني بقوله : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ : وإذ استسقانا موسى لقومه : أي سألنا أن نسقي قومه ماء . فترك ذكر المسؤول ذلك ، والمعنى الذي سأل موسى ، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك . وكذلك قوله : فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا مما استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه . وذلك أن معنى الكلام ، فقلنا : اضرب بعصاك الحجر ، فضربه فانفجرت . فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر ، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه . وكذلك قوله : قَدْ عَلِمَ كُلّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ إنما معناه : قد علم كل أناس منهم مشربهم ، فترك ذكر ( منهم ) لدلالة الكلام عليه . وقد دللنا فيما مضى على أن الناس جمع لا واحد له من لفظه ، وأن الإنسان لو جمع على لفظه لقيل : أناسيّ وأناسية . وقوم موسى هم بنو إسرائيل الذين قصّ الله عز وجل قصصهم في هذه الاَيات ، وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه ، كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قوله : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ الآية قال : كان هذا إذ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ ، فأمروا بحجر طوريّ أي من الطور أن يضربه موسى بعصاه ، فكانوا يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها لهم .
حدثني تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا أصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ذلك في التيه ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربّعا ، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون ، لكل سبط عين ، ولا يرتحلون مَنْقلة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الأول .
حدثني عبد الكريم ، قال : أخبرنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : ذلك في التيه ، ضرب لهم موسى الحجر ، فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها .
وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا لكل سبط منهم عين ، كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا .
حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : وَإذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ قال : خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا ، فانفجر لهم الحجر اثنتي عشرة عينا ضربه موسى . قال ابن جريج ، قال ابن عباس : الأسباط : بنو يعقوب كانوا اثني عشر رجلاً كل واحد منهم ولد سبطا أمّة من الناس .
وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : استسقى لهم موسى في التيه ، فسقوا في حجر مثل رأس الشاة . قال : يلقونه في جوانب الجوالق إذا ارتحلوا ، ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل ، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط منهم عين . فكان بنو إسرائيل يشربون منه ، حتى إذا كان الرحيل استمسكت العيون ، وقيل به فألقي في جانب الجوالق ، فإذا نزل رُمي به . فقرعه بالعصا ، فتفجرت عين من كل ناحية مثل البحر .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثني أسباط ، عن السدي ، قال : كان ذلك في التيه .
وأما قوله : قَدْ عَلِمَ كُلّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ فإنما أخبر الله عنهم بذلك ، لأن معناهم في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر الذي وصف جل ذكره في هذه الآية صفته من الشرب كان مخالفا معاني سائر الخلق عن ذكره ما ترك ذكره . وذلك أن تأويل الكلام : فَقُلْنَا اضْرِبْ بعَصَاكَ الحَجَرَ فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، قد علم كل أناس مشربهم ، فقيل لهم : كلوا واشربوا من رزق الله أخبر الله جل ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المنّ والسلوى ، وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور الذي لا قرار له في الأرض ولا سبيل إليه لمالكيه يتدفق بعيون الماء ويزخر بينابيع العذب الفرات بقدرة ذي الجلال والإِكرام ، ثم تقدم جل ذكره إليهم مع إباحتهم ما أباح وإنعامه عليهم بما أنعم به عليهم من العيش الهنيء ، بالنهي عن السعي في الأرض فسادا والعثا فيها استكبارا فقال جل ثناؤه : لهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين القول في تأويل قوله تعالى : { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } يعني بقوله لا تعثوا لا تطغوا ولا تسعوا في الأرض مفسدين كما :
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول : لا تسعوا في الأرض فسادا .
حدثنى يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله ولا تعثوا في الأرض مفسدين لا تعث لا تطغ .
حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة ولا تعثوا في الأرض مفسدين أي لا تسيروا في الأرض مفسدين .
حدثت عن المنجاب قال حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس ولا تعثوا في الأرض مفسدين : لا تسعوا في الأرض ، وأصل العثا شدة الإفساد بل هو أشد الإفساد ، يقال منه عثى فلان في الأرض إذا تجاوز في الإفساد إلى غايته ، يعثى عثا مقصور وللجماعة هم يعثون ، وفيه لغتان أخريان أحدهما عثا يعثوا عثوا ومن قرأها بهذه اللغة فأنه ينبغي له أن يضم الثاء من يعثوا ، ولا أعلم قارئا يقتدى بقراءته قرأ به ، ومن نطق بهذه اللغة مخبرا عن نفسه قال : عثوت أعثو ، ومن نطق باللغة الأولى قال عثيت أعثى والأخرى منهما عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا كل ذلك بمعنى واحد ، ومن العيث قول رؤبة بن العجاج :
{ وإذ استسقى موسى لقومه } لما عطشوا في التيه .
{ فقلنا اضرب بعصاك الحجر } اللام فيه للعهد على ما روي أنه كان حجرا طوريا حمله معه ، وكانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين ، تسيل كل عين في جدول إلى سبط ، وكانوا ستمائة ألف وسعة المعسكر اثنا عشر ميلا ، أو حجرا أهبطه آدم من الجنة ، ووقع إلى شعيب عليه السلام فأعطاه لموسى مع العصا ، أو الحجر الذي فر بثوبه لما وضعه عليه ليغتسل وبرأه الله به عما رموه به من الأدرة ، فأشار إليه جبريل عليه السلام بحمله ، أو للجنس وهذا أظهر في الحجة . قيل لم يأمره بأن يضرب حجرا بعينه ، ولكن لما قالوا : كيف بنا لو أفضينا إلى أرض لا حجارة بها ؟ حمل حجرا في مخلاته ، وكان يضربه بعصاه إذا نزل فينفجر ، ويضربه بها إذا ارتحل فييبس ، فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله إليه لا تقرع الحجر وكلمه يطعك لعلهم يعتبرون . وقيل كان الحجر من رخام وكان ذراعا في ذراع ، والعصا عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام من آس الجنة ولها شعبتان تتقدان في الظلمة .
{ فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } متعلق بمحذوف تقديره : فإن ضربت فقد انفجرت ، أو فضرب فانفجرت ، كما مر في قوله تعالى : { فتاب عليكم } وقرئ عشرة بكسر الشين وفتحها وهما لغتان فيه .
{ قد علم كل أناس } كل سبط . { مشربهم } عينهم التي يشربون منها . { كلوا واشربوا } على تقدير القول :
{ من رزق الله } يريد به ما رزقهم الله من المن والسلوى وماء العيون . وقيل الماء وحده لأنه يشرب ويؤكل مما ينبت به . { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } لا تعتدوا حال إفسادكم ، وإنما قيده لأنه وإن غلب في الفساد قد يكون منه ما ليس بفساد ، كمقابلة الظالم المعتدي بفعله ، ومنه ما يتضمن صلاحا راجحا كقتل الخضر عليه السلام الغلام وخرقه السفينة ، ويقرب منه العيث غير أنه يغلب فيما يدرك حسا ، ومن أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله وقلة تدبره في عجائب صنعه ، فإنه لما أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر وينفر عن الخل ويجذب الحديد ، لم يمتنع أن يخلق الله حجرا يسخره لجذب الماء من تحت الأرض ، أو لجذب الهواء من الجوانب ويصيره ماء بقوة التبريد ونحو ذلك .
تذكير بنعمة أخرى جمعت ثلاث نعم وهي الري من العطش ، وتلك نعمة كبرى أشد من نعمة إعطاء الطعام ولذلك شاع التمثيل بري الظمآن في حصول المطلوب . وكون السقي في مظنة عدم تحصيله وتلك معجزة لموسى وكرامة لأمته لأن في ذلك فضلاً لهم . وكون العيون اثنتي عشرة ليستقل كل سبط بمشرب فلا يتدافعوا .
وقوله : { وإذ } متعلق ب { اذكروا } وقد أشارت الآية إلى حادثة معروفة عند اليهود وذلك أنهم لما نزلوا في « رفيديم » قبل الوصول إلى برية سينا وبعد خروجهم من برية سين في حدود الشهر الثالث من الخروج عطشوا ولم يكن بالموضع ماء فتذمروا على موسى وقالوا أتصعدنا من مصر لنموت وأولادنا ومواشينا عطشاً فدعا موسى ربه فأمره الله أن يضرب بعصاه صخرة هناك في « حوريب » فضرب فانفجر منها الماء . ولم تذكر التوراة أن العيون اثنتا عشرة عيناً وذلك التقسيم من الرفق بهم لئلا يتزاحموا مع كثرتهم فيهلكوا فهذا مما بينه الله في القرآن .
فقوله : { استسقى موسى } صريح في أن طالب السقي هو موسى وحده ، سأله من الله تعالى ولم يشاركه قومه في الدعاء لتظهر كرامته وحده ، كذلك كان استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر لما قال له الأعرابي « هلك الزرع والضرع فادع الله أن يسقينا » والحديث في « الصحيحين » .
وقوله : { لقومه } مؤذن بأن موسى لم يصبه العطش وذلك لأنه خرج في تلك الرحلة موقناً أن الله حافظهم ومبلغهم إلى الأرض المقدسة فلذلك وقاه الله أن يصيبه جوع أو عطش وكلل وكذلك شأن الأنبياء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وصال الصوم : " إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني "
قال ابن عرفة في « تفسيره » : اهـ . وهو رد متمكن إذ ليس المراد باستسقاء المخصب للمجدب الأشخاص وإنما المراد استسقاء أهل بلد لم ينلهم الجدب لأهل بلد مجدبين والمسألة التي أشار إليها المازري مختلف فيها عندنا واختار اللخمي جواز استسقاء المخصب للمجدب لأنه من التعاون على البر ولأن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وقال المازري فيه نظر لأن السلف لم يفعلوه .
وعصا موسى هي التي ألقاها في مجلس فرعون فتلقفت ثعابين السحرة وهي التي كانت في يد موسى حين كلمه الله في برية سينا قبل دخوله مصر وقد رويت في شأنها أخبار لا يصح منها شيء فقيل إنها كانت من شجر آس الجنة أهبطها آدم معه فورثها موسى ولو كان هذا صحيحاً لعده موسى في أوصافها حين قال : { هي عصاي } [ طه : 18 ] إلخ فإنه أكبر أوصافها .
والعصا بالقصر أبداً ومن قال عصاه بالهاء فقد لحن ، وعن الفراء أن أول لحن ظهر بالعراق قولهم عصاتي .
و { أل } في { الحجر } لتعريف الجنس أي اضرب أي حجر شئت ، أو للعهد مشيراً إلى حجر عرفه موسى بوحي من الله وهوحجر صخر في جبل حوريب الذي كلم الله منه موسى كما ورد في سفر الخروج وقد وردت فيه أخبار ضعيفة .
والفاء في قوله : { فانفجرت } قالوا هي فاء الفصيحة ومعنى فاء الفصيحة أنها الفاء العاطفة إذ لم يصلح المذكور بعدها لأن يكون معطوفاً على المذكور قبلها فيتعين تقدير معطوف آخر بينهما يكون ما بعد الفاء معطوفاً عليه وهذه طريقة السكاكي فيها وهي المثلى . وقيل : إنها التي تدل على محذوف قبلها فإن كان شرطاً فالفاء فاء الجواب وإن كان مفرداً فالفاء عاطفة ويشملها اسم فاء الفصيحة وهذه طريقة الجمهور على الوجهين فتسميتها بالفصيحة لأنها أفصحت عن محذوف ، والتقدير في مثل هذا فضرب فانفجرت وفي مثل قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسانُ أقصى ما يراد بنا *** ثم القفول فقد جئنا خراسانا
أي إن كان القفول بعد الوصول إلى خراسان فقد جئنا خراسان أي فلنقفل فقد جئنا .
وعندي أن الفاء لا تعد فاء فصيحة إلا إذا لم يستقم عطف ما بعدها على ما قبلها فإذا استقام فهي الفاء العاطفة والحذف إيجاز وتقدير المحذوف لبيان المعنى وذلك لأن الانفجار مترتب على قوله تعالى لموسى : { اضرب بعصاك الحجر } لظهور أن موسى ليس ممن يشك في امتثاله بل ولظهور أن كل سائل أمراً إذا قيل له افعل كذا أن يعلم أن ما أمر به هو الذي فيه جوابه كما يقول لك التلميذ ما حكم كذا ؟ فتقول افتح كتاب « الرسالة » في باب كذا ، ومنه قوله تعالى الآتي : { اهبطوا مصراً } [ البقرة : 61 ] وأما تقدير الشرط هنا أي فإن ضربت فقد انفجرت إلخ فغير بيّن ، ومن العجب ذكره في « الكشاف » .
وقوله : { قد علم كل أناس مشربهم } قال العكبري وأبو حيان : إنه استئناف ، وهما يريدان الاستئناف البياني ولذلك فصل ، كأن سائلاً سأل عن سبب انقسام الانفجار إلى اثنتي عشرة عيناً فقيل قد علم كل سبط مشربهم ، والأظهر عندي أنه حال جردت عن الواو لأنه خطاب لمن يعقلون القصة فلا معنى لتقدير سؤال . والمراد بالأناس كل ناس سبط من الأسباط .
وقوله : { كلوا واشربوا من رزق الله } مقول قول محذوف . وقد جمع بين الأكل والشرب وإن كان الحديث على السقي لأنه قد تقدمه إنزال المن والسلوى ، وقيل هنالك : { كلوا من طيبات ما رزقناكم } [ البقرة : 57 ] فلما شفع ذلك بالماء اجتمع المنتان .
وقوله : { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } من جملة ما قيل لهم ووجه النهي عنه أن النعمة قد تنسي العبد حاجته إلى الخالق فيهجر الشريعة فيقع في الفساد قال تعالى :
{ كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] .
{ ولا تعثوا } مضارع عثي كرضي ، وهذه لغة أهل الحجاز وهي الفصحى فقوله : { ولا تعثوا } بوزن لا ترضوا ومصدره عند أهل اللغة يقتضي أن يكون بوزن رضي ولم أر من صرح به وذكر له في « اللسان » مصادر العُثيّ والعِثيّ بضم العين وكسرها مع كسر الثاء فيهما وتشديد الياء فيهما ، والعَثَيان بفتحتين وفي لغة غير أهل الحجاز عثا يعثو مثل سما يسمو ولم يقرأ أحد من القراء : { ولا تعثوا } بضم الثاء .
وهو أشد الفساد وقيل : هو الفساد مطلقاً وعلى الوجهين يكون { مفسدين } حالاً مؤكدة لعاملها . وفي « الكشاف » جعل معنى { لا تعثوا } لا تتمادوا في فسادكم فجعل المنهي عنه هو الدوام على الفعل وكأنه يأبى صحة الحال المؤكدة للجملة الفعلية فحاول المغايرة بين { لا تعثوا } وبين { مفسدين } تجنباً للتأكيد وذلك هو مذهب الجمهور لكن كثيراً من المحققين خالف ذلك ، واختار ابن مالك التفصيل فإن كان معنى الحال هو معنى العامل جعلها شبيهة بالمؤكدة لصاحبها كما هنا وخص المؤكدة لمضمون الجملة الواقعة بعد الاسمية نحو زيد أبوك عطوفاً وقول سالم بن دارة اليربوعي :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
" وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ": وإذ استسقانا موسى لقومه: أي سألنا أن نسقي قومه ماء. فترك ذكر المسؤول ذلك، والمعنى الذي سأل موسى، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك. وكذلك قوله: "فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا "مما استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه. وذلك أن معنى الكلام، فقلنا: اضرب بعصاك الحجر، فضربه فانفجرت. فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه. وكذلك قوله: "قَدْ عَلِمَ كُلّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ" إنما معناه: قد علم كل أناس منهم مشربهم، فترك ذكر (منهم) لدلالة الكلام عليه. وقد دللنا فيما مضى على أن الناس جمع لا واحد له من لفظه، وأن الإنسان لو جمع على لفظه لقيل: أناسيّ وأناسية. وقوم موسى هم بنو إسرائيل الذين قصّ الله عز وجل قصصهم في هذه الآيات، وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه.
" قَدْ عَلِمَ كُلّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ": فإنما أخبر الله عنهم بذلك، لأن معناهم في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر الذي وصف جل ذكره في هذه الآية صفته من الشرب كان مخالفا معاني سائر الخلق عن ذكره ما ترك ذكره. وذلك أن تأويل الكلام: فَقُلْنَا اضْرِبْ بعَصَاكَ الحَجَرَ فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، قد علم كل أناس مشربهم، فقيل لهم: "كلوا واشربوا من رزق الله"؛ أخبر الله جل ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المنّ والسلوى، وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور الذي لا قرار له في الأرض ولا سبيل إليه لمالكيه يتدفق بعيون الماء ويزخر بينابيع العذب الفرات بقدرة ذي الجلال والإِكرام، ثم تقدم جل ذكره إليهم مع إباحتهم ما أباح وإنعامه عليهم بما أنعم به عليهم من العيش الهنيء، بالنهي عن السعي في الأرض فسادا والعثا فيها استكبارا فقال جل ثناؤه لهم: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين".
{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}: يعني بقوله لا تعثوا: لا تطغوا ولا تسعوا في الأرض مفسدين... وأصل العثا: شدة الإفساد، بل هو أشد الإفساد، يقال منه عثى فلان في الأرض إذا تجاوز في الإفساد إلى غايته.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَا}... والانفجارُ: الانشقاق، والانبجاسُ أضيق منه، لأنه يكون انبجاساً ثم يصير انفجاراً. والعين من الأسماء المشتركة: فالعين من الماء مُشَبَّهَةٌ بالعين من الحيوان، لخروج الماء منها، كخروج الدمع من عين الحيوان. فأمر موسى عند استسقائه، أن يضرب بعصاه حجراً... فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً...
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} يعني أن لكلِّ سبطٍ منهم عيناً، قد عرفها لا يشرب من غيرها، فإذا ارتحلوا انقطع ماؤه...
{وَلاَ تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ} فيه تأويلان:
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... عطشوا في التيه، فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له: {اضرب بّعَصَاكَ الحجر} واللام... للجنس، أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر. وعن الحسن: لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه قال: وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة...
والعثيّ: أشدّ الفساد، فقيل لهم: لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس القطر، وإذا كان كذلك فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر والمسكنة والذلة مع التوبة النصوح. وقد استسقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المصلى متواضعا متذللا متخشعا مترسلا متضرعا وحسبك به، فكيف بنا ولا توبة معنا إلا العناد ومخالفة رب العباد، فأنَّى نسقى، لكن قد قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا) الحديث...
[و] سنة الاستسقاء الخروج إلى المصلى... والخطبة والصلاة، وبهذا قال جمهور العلماء
قلت: ما أوتي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من نبع الماء وانفجاره من يده وبين أصابعه أعظم في المعجزة، فإنا نشاهد الماء يتفجر من الأحجار آناء الليل وآناء النهار ومعجزة نبينا عليه السلام لم تكن لنبي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج الماء من بين لحم ودم. روى الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم نجد ماء فأتي بتَوْرٍ، فأدخل يده فيه فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه ويقول: (حي على الطهور) قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد قال: قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال ألفا وخمسمائة. لفظ النسائي.
قوله تعالى:"كلوا واشربوا من رزق الله" في الكلام حذف تقديره، وقلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المتفجر من الحجر المنفصل...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا بيان لحال آخر من أحوال بني إسرائيل في هجرتهم وعناية الله تعالى بهم فيها. أصابهم الظمأ فعادوا على موسى باللائمة أن أخرجهم من أرض مصر الخصبة المتدفقة بالأمواه، وكانوا عند كل ضيق يمنون عليه أن خرجوا معه من مصر ويجهرون بالندم. فاستغاث موسى بربه واستسقاه لقومه كما قصه الله تعالى علينا بقوله {وإذ استسقى موسى لقومه} أي طلب السقيا لهم من الله تعالى {فقلنا اضرب بعصاك الحجر} قال الأستاذ الإمام: أمره أن يضرب بعصاه حجرا من حجارة تلك الصحراء بتلك العصا التي ضرب بها البحر فضربه {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} بعدد أسباطهم وذلك قوله عز وجل {قد علم كل أناس مشربهم}.
(قال) وكون هذا الحجر هو الذي روي أنه تدحرج بثوب موسى يوم كان يغتسل كما قال المفسر (الجلال) لا دليل عليه، وقصة الثوب ليست في القرآن فيحمل تعريف الحجر على أنه المعهود في القصة، وإنما يفهم التعريف أن الحجر الذي ضرب فتفجرت منه المياه حجر مخصوص له صفات تميزه عندهم ككونه صلبا أو عظيما تتسع مساحته لتلك العيون ويصلح أن تكون منه موارد لتلك الأمم [أو كونه يقع تحت أعينهم منفردا عن غيره ليس في محلتهم سواه، وقد يكون التعريف للدلالة على الجنس ليفيدنا بُعد المرغوب عن التناول، وعظمة القدرة الإلهية وأثرها الجليل في تقريبه وتحصيله] ...
... ولو علم الله تعالى أن لنا فائدة في أكثر مما دل عليه هذا الخطاب من التعيين لما تركه.
ثم أراد أن يصور حال بني إسرائيل في هذه النعمة واغتباطهم بما منحهم من العيش الرغد في مهاجرهم فقال {كلوا واشربوا من رزق الله} فعبر عن الحال الماضية بالأمر ليستحضر سامع الخطاب أولئك القوم في ذهنه ويتصور اغتباطهم بما هم فيه حتى كأنهم حاضرون والآن والخطاب يوجه إليهم. وهذا ضرب من ضروب إيجاز القرآن التي لا تجارى ولا تمارى ثم قال {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي لا تنشروا فسادكم في الأرض وتكونوا في الشرور قدوة سيئة للناس. يقال عثا إذا نشر الشر والفساد وأثار الخبث فهو أخص من مطلق الإفساد ولذلك مع كون "مفسدين "حالا من ضمير "تعثوا".
قال الأستاذ الإمام: إن كثيرا من أعداء القرآن يأخذون عليه عدم الترتيب في القصص ويقولون هنا إن الاستسقاء وضرب الحجر كان قبل التيه وقبل الأمر بدخول تلك القرية فذكرها هنا بعد تلك الوقائع. والجواب عن هذه الشبهة يفهم مما قلناه مرارا في قصص الأنبياء والأمم الواردة في القرآن. وهو أنه لم يقصد بها التاريخ وسرد الوقائع مرتبة بحسب أزمنة وقوعها وإنما المراد بها الاعتبار والعظة ببيان النعم متصلة بأسبابها لتطلب بها. وبيان النقم بعللها لتتقى من جهتها. ومتى كان هذا هو الغرض من السياق فالواجب أن يكون ترتيب الوقائع في الذكر على الوجه الذي يكون أبلغ في التذكير وأدعى إلى التأثير.
إن الباحثين في التاريخ لهذا العهد قد رجعوا إلى هذا الأسلوب في التقديم والتأخير وقالوا ستأتي أيام يستحيل فيها ترتيب الحوادث والقصص بحسب تواريخها لطول الزمن وكثرة النقل مع حاجة الحاضرين. وقالوا إن الطريق إلى ذلك هو أن ننظر في كل حادثة من حوادث الكون كالثورات والحروب وغيرها ونبين أسبابها ونتائجها من غير تفصيل ولا تحديد لجزئيات الوقائع بالتاريخ، فإن ترتيب الوقائع هو من الزينة في وضع التأليف فلا يتوقف عليه الاعتبار، بل ربما يصد عنه بما يكلف الذهن من ملاحظته وحظه – هذا ضرب من ضروب الإصلاح العلمي جاء به القرآن وأيده سير الاجتماع في الإنسان.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
كان بنو إسرائيل يعيشون مع موسى عليه السلام في معجزات حسية مستمرة، ولو كانت قوة الدليل وحسيته سببا للإيمان لكان بنو إسرائيل أشد الناس إيمانا وأقواهم يقينا، ولكن الإيمان نور يقذفه الله تعالى في قلوب الأتقياء فيدركون الحق، ويذعنون له، ويطمئنون إليه. وقد أرانا الله تعالى آياته في بني إسرائيل، فكلما أتاهم بدليل وكلما أتتهم آية كفروا بها، فلو كانوا يذعنون للحق لأذعنوا لبعض هذه الآيات، ولكنهم قوم معاندون، مناقضون الحس.
شكوا إلى موسى أنهم لا يجدون الماء الذي يشربونه فاتجه موسى إلى ربه ضارعا يطلب الماء، ولذا قال تعالى: {وإذ استسقى موسى لقومه}.
وإذ – كما ذكرنا – دالة على الوقت، والمعنى اذكروا ذلك الوقت الذي استسقى فيه موسى لكم، تذكروا عطشكم في ذلك الوقت، وكيف استسقى موسى ربه لأجلكم، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يضرب بعصاه الحجر، فضرب، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، هي بقدر عدد الأسباط أولاد يعقوب عليه السلام، وذريتهم من بعدهم، اذكروا ذلك وتذكروه، فإنه معجزة من الله تعالى. فكان لكل سبط عينه، يشرب منها هو ومن معه من سبطه لكيلا يتزاحم على الماء، فينال الماء القوي، ويضيع الضعيف، واستسقى؛ السين والتاء للطلب، أو السؤال، والاستسقاء الضراعة إلى الله تعالى أن ينزل الماء، فهذا الاستسقاء عبادة لأنه دعاء الله تعالى ضارعا إليه أن ينزل عليه الماء، والدعاء المتضرع عبادة، في ذاته، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جف المطر، وأجدبت الأرض استسقى.. فقد خرج إلى المصلى متواضعا، متذللا متوسلا متضرعا ودعا ربه أن يسقى المطر، فنزل مدرارا، حتى خشي الناس أن يضر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم حوالينا، ولا علينا) 146.
ولما استسقى موسى عليه السلام لم ينزل عليه مطر، ولكن قال له ربه: {اضرب بعصاك الحجر} والعصا هي آية الله تعالى، ومعجزة موسى التي انقلبت حية تسعى، والتي بها ضرب البحر فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم، ضرب بها الحجر، ولم يكن حجرا معينا له صفات ذاتية، بل إنه للعهد الذهني الذي ينطبق عليه اسم الحجر، كما تقول ادخل السوق، فالمراد أي شيء ينطبق عليه اسم السوق، ضرب موسى عليه السلام الحجر {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} انفجرت: انشقت، وخرجت من الحجر اثنتا عشرة عينا، والعين هي الموضع الذي يخرج منه كعين زمزم، فماء العيون لا يكون من السماء كالمطر، ولكن يكون من الأرض، أو الحجر، كما رأينا ما فعلته عصا موسى عليه السلام؛ وهنا ثلاث معجزات خارقة للعادة:
الأولى: ضرب الحجر بالعصا، فينبثق منه الماء، وهذه معجزة العصا.
والثانية: أن الضرب في الحجر الذي لا يخرج منه الماء عادة، ولا يعلم أن الماء ينبع من الأحجار، ولكن من الأرض اللينة التي لا تكون حجرا متماسكا، وقد يخرج ماء العيون من الجبال ولكن يكون من شقوق يخرج منها لا من ذات الحجر، أما الذي يخرج من ذات الحجر فإنه خاص بمعجزة موسى عليه السلام.
الثالثة كون الماء يخرج اثنتا عشرة عينا على قدر عدد الأسباط، و {قد علم كل أناس مشربهم} أي مكان شربهم، أي العين التي خصصت لهم، وقد كان الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام بعصاه مكعبا له أربعة جوانب ظاهرة على الأرض، فكان في كل جانب قد انبثق فيه ثلاث عيون، فيكون عددها في كل اثنتا عشرة عينا، وعلم كل أناس العين التي يشربون منها، فكان لكل سبط منهم ثلاث عيون.
وإن هذا التوزيع بينهم لا يفرق، ولكنه يجمعهم، فالعدل يجمع ولا يفرق، وفوق ذلك فيه تسهيل للتناول فلا يتزاحمون ولا يتنازعون ولا يضيع الضعيف بينهم.
وقد بين الله تعالى أن الماء مباح لهم، كما أبيح لهم الطعام؛ ولذا قال تعالى: {كلوا واشربوا} أي أنه أبيح لهم الأكل من المن والسلوى، كما ذكرنا آنفا، أو أبيح لهم أن يأكلوا من ثمرات هذا الماء الذي يجيء إليهم من هذه العيون التي تفيض في الأرض غير مقطوعة، ولا ممنوعة.
وإن النعمة إذا كثرت على أمثال بني إسرائيل كانت مظنة الفساد، ولذا قال تعالى: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين (60)} العثو، من عثى يعثى بمعنى أفسد، أو بمعنى أضاع كل ما فيه من خير، فاعتدى على حق غيره، فيعثون يشمل كل فعل يؤدي إلى الاضطراب والإفزاع ومنع الخير، ويتقارب من معنى العبث، ويكون قوله تعالى: {مفسدين} ليس تكرارا للفظ لا تعثوا أو تأكيدا، إنما هو لبيان العثو، وهو القصد إلى الإفساد، فمفسدين معناها قاصدين إلى الإفساد.