فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (60)

الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر . ومعناه في اللغة : طلب السقيا . وفي الشرع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته من الصلاة والدعاء . والحجر يحتمل أن يكون حجراً معيناً ، فتكون اللام للعهد ، ويحتمل أن لا يكون معيناً ، فتكون للجنس ، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة . وقوله : { فانفجرت } الفاء مترتبة على محذوف ، تقديره : فضرب ، فانفجرت ، والانفجار : الانشقاق : وانفجر الماء انفجاراً : تفتح ، والفجرة : موضع تفتح الماء . قال ابن عطية : ولا خلاف أنه كان حجراً مربعاً يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون ، وإذا استغنوا عن الماء جفت . والمشرب : موضع الشرب ، وقيل هو : المشروب نفسه ، وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم . قيل : كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها ، والأسباط : ذرية الاثني عشر من أولاد يعقوب . وقوله : { كُلُوا } أي : قلنا لهم كلوا المنّ والسلوى ، واشربوا الماء المتفجر من الحجر ، وعثا يعثي عثيا ، وعثا يعثو عثواً ، وعاث يعيث عيثاً ، لغات بمعنى أفسد . وقوله : { مُفْسِدِينَ } حال مؤكدة . قال في القاموس : عثي كرمي ، وسعى ورضي ، عثيا ، وعثياً ، وعَثياناً ، وعثَا يَعْثُو عُثُواً : أفسد : وقال في الكشاف : «العثي : أشدّ الفساد . فقيل لهم : لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم ؛ لأنهم كانوا متمادين فيه » . انتهى .

/خ61