التفسير : جمهور المفسرين سوى أبي مسلم ، على أن هذا الاستسقاء كان في التيه ، عطشوا فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له اضرب بعصاك الحجر ، أما العصا فقال الحسن : كانت عصا أخذها من بعض الأشجار . وقيل : كانت من الجنة طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة .
وأما الحجر فاللام إما للعهد والإشارة إلى حجر معلوم ، فقد روي أنه حجر طوري حمله معه وكان حجراً مربعاً له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاثة أعين ، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم وكانوا ستمائة ألف ، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلاً وقيل : أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا . وقيل : هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل ورماه بنو إسرائيل بالأدرة ففرّ به ، فقال له جبريل : يقول الله تعالى : ارفع هذا الحجر فإن لي فيه قدرة ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته . وإما للجنس أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر . وعن الحسن : لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه قال : وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة . ثم إنهم قالوا : كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة ؟ فحمل حجراً في مخلاته فحيثما نزلوا ألقاه ، وأما الصنف والشكل فقيل : كان من رخام وكان ذراعاً في ذراع . وقيل : مثل رأس الإنسان . وقيل : له أربعة أوجه كما مر ، وهذا إذا لم يعتبر الفوقاني ومقابله . وأما الضرب فقيل : كان يضربه بعصاه فينفجر ويضربه بها فييبس فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشاً ، فأوحى الله تعالى إليه : لا تقرع الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون .
والفاء في قوله { فانفجرت } فاء فصيحة كما سبق في { فتاب عليكم } [ البقرة : 54 ] وفي هذا الحذف دلالة على أن موسى لم يتوقف عن اتباع الأمر ، وأنه من انتفاء الشك عنه بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به . والانفجار والانبجاس واحد ومعناه خروج الماء بسعة وكثرة . وأصل الفجر الشق ومنه الفاجر لأنه يشق عصا المسلمين بمخالفتهم . وقيل : الانبجاس خروج الماء قليلاً ، ووجه بأن الفجر في الأصل هو الشق ، والبجس الشق الضيق فلا يتناقضان كما لا يتناقض المطلق والمقيد والعام والخاص ، أو لعله انبجس أوّلاً ثم انفجر ثانياً وكذا العيون تظهر الماء قليلاً ثم يكثر لدوام خروجه ، أو لعل حاجتهم تشتد تارة فينفجر وتضعف أخرى فينبجس .
{ قد علم كل أناس } أي كل سبط { مشربهم } كأنه أمر كل سبط أن لا يشرب إلا من جدول معين حسماً لمادة التشاجر ، فإن العادة في الرهط الواحد أن لا يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع بين المختلفين . وهذا أيضاً من تمام النعمة عليهم ، وإنما فقد العاطف لأن قوله { قد علم } بيان وتفصيل لما أجمل في قوله { اثنتا عشرة } كأنه قيل : هذا المجموع مشاع بينهم أو مقسوم فقيل قد علم { كلوا } على إرادة القول أي وقلنا أي قال لهم موسى كلوا من المن والسلوى الذي رزقناكم بلا تعب ولا نصب ، واشربوا من هذا الماء . وقيل : إن الأغذية لا تنبت إلا بالماء ، فلما أعطاهم الماء فكأنما أعطاهم المأكول والمشروب .
والعثو أشد الفساد ، و{ مفسدين } قيل : نصب على الحال المؤكدة وهو ضعيف ، فإن من شرطها أن تكون مقررة لمضمون جملة اسمية . وقيل : حال منتقلة ومعناه النهي عن التمادي في حالة الإفساد ، إما مطلقاً أو مقيداً بأنه إن وقع التنازع بسبب ذلك الماء فلا تبالغوا في التنازع . ويرد على هذا القول أن الإفساد منهي عنه مطلقاً ، وهذا التفسير يقتضي أن يكون المنهي عنه هو التمادي في الإفساد لا نفس الإفساد .
والصحيح أن يقال : إن المنصوبات في نحو قوله عز من قائل { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } { ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] وفي نحو قولهم " تعال جائياً وقم قائماً " من الصفات القائمة مقام المصدر نحو " أقاعداً وقد سار الركب " بقي في الآية بحث ، وهو أنه كيف يعقل خروج المياه الكثيرة من الحجر الصغير ؟ والجواب أما على القول بالفاعل المختار فظاهر فإن له أن يحدث أيّ فعل خارق شاء من غير أن يطلب له سبب وواسطة ، وأما عند طالب الأسباب والوسائط فإن العناصر الأربعة لها هيولي مشتركة عندهم . وجوّز وانقلاب صور بعضها إلى بعض ، فجاز استمداد الماء الكامن في الحجر من الهواء المجاور له ، ومثل هذا ما رواه أنس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء ، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم . قال قتادة قلت لأنس : كم كنتم ؟ قال : ثلثمائة أو زهاء ثلثمائة . بل معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم أقوى لأن نبوع الماء من الحجر معهود في الجملة ، أما نبوعه من بين الأصابع فغير معتاد ، قال أهل الإشارة : الروح الإنساني وصفاته في عالم القالب بمثابة موسى وقومه ، وإنه يستسقي ربه لإروائها من ماء الحكمة والمعرفة فيضرب بعصا لا إله إلا الله . ولها شعبتان من النفي والإثبات تتقدان نوراً عند استيلاء ظلمات النفس على حجر القلب فيتفجر اثنتا عشرة عيناً من ماء الحكمة بعدد حروف لا إله إلا الله ، قد علم كل سبط من أسباط الإنسان وهي خمس حواس ظاهرة ، وخمس باطنة مع القلب والنفس مشربهم فيستوي في حظه بحسب مشربه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.