القسم في مستهل هذه السورة يجلي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتحدث به من خبر الوحي ، وما يبلغه عنه ما ضل في شيء منه وما غوى ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما تحدث به عن رحلته إلى السماء في حادث المعراج ، ما زاغ بصره وما طغى .
ثم تنتقل السورة إلى الحديث عن تفاهة عقول الكافرين في عبادتهم لأصنام اصطنعوها بأيديهم ، وسموها بأسماء من عندهم ، كما سموا الملائكة إناثا بعد أن جعلوا لله البنات ، واختصوا أنفسهم بالذكور .
ثم تطلب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم ، وترك أمرهم إلى الله الذي له في السماوات والأرض ملكا وخلقا ، والذي سيجازى المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه ، وهو أعلم بجميع أطوار خلقه وأحوالهم ، متبعة ذلك بالتنديد بمن أنكر حساب كل إنسان على عمله ، كما جرت بذلك الشرائع السابقة ، وأخبرت صحف موسى وإبراهيم . وقررت الآيات كل هذه المعاني بما عرضت من صور القدرة وآيات الله في الأمم السابقة .
ثم تختم السورة بتوضيح أن القرآن نذير من النذر التي أنذرت بها الأمم السابقة ، ليخشوا يوم القيامة الذي قرب وقته ، وتعنى على الكافرين بالقرآن غفلتهم عن ذلك ، واستبدالهم الضحك مكان بكائهم واتعاظهم به ، وقد طلبت إلى المؤمنين أن يسجدوا لله الذي أنزله ويعبدوه .
1 - أقسم بالنجم إذا هوى للغروب : ما عدل محمد عن طريق الحق وما اعتقد باطلا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ * مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : والنّجْمِ إذَا هَوَى فقال بعضهم : عُنِي بالنجم : الثّريا ، وعُنِي بقوله : إذَا هَوَى : إذا سقط ، قالوا : تأويل الكلام : والثريا إذا سقطت . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : إذا سقطت الثريا مع الفجر .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : الثريا . وقال مجاهد : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : سقوط الثريا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : إذا انصبّ .
وقال آخرون : معنى ذلك : والقرآن إذا نزل . ذكر من قال ذلك :
حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب ، قال : حدثنا مالك بن سعير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : القرآن إذا نزل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالنّجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى قال : قال عُتْبة بن أبي لهب : كفرتُ بربّ النجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمَا تَخافُ أنْ يَأْكُلُكَ كَلْبُ اللّهِ » قال : فخرج في تجارة إلى اليمن ، فبينما هم قد عرّسوا ، إذ سمعَ صوتَ الأسد ، فقال لأصحابه إني مأكول ، فأحدقوا به ، وضرب على أصمختهم فناموا ، فجاء حتى أخذه ، فما سمعوا إلا صوته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تلا : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى فقال ابن لأبي لهب حسبته قال : اسمه عُتبة : كفرت بربّ النجم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «احْذَرْ لا يَأْكُلْكَ كَلْبُ اللّهِ » قال : فضرب هامته . قال : وقال ابن طاوس عن أبيه ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «ألاَ تخافُ أنْ يُسَلّطَ اللّهُ عَلَيْكَ كَلْبَهُ ؟ » فخرج ابن أبي لهب مع ناس في سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الأسد ، فقال : ما هو إلا يريدني ، فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم ، حتى إذا ناموا جاء الأسد فأخذه من بينهم . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : عنى بقوله : والنّجْمِ والنجوم . وقال : ذهب إلى لفظ الواحد ، وهو في معنى الجميع ، واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الإبل :
فَباتَتْ تَعُدّ النّجْمَ في مُسْتَحِيرَةٍ *** سَرِيعٌ بِأيْدِي الاَكِلِينَ جُمُودُها
والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا الموضع : الثريا ، وذلك أن العرب تدعوها النجم ، والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله ، وإن كان له وجه ، فلذلك تركنا القول به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.