المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

37- لا تشغلهم الدنيا بما فيها من بيع وشراء عن تذكر الله ومراقبته ، فهم يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة خائفين من يوم القيامة الذي لا تستقر فيه القلوب من القلق والهم ، وترقب المصير فيه وتلتفت فيه الأنظار في حيرة ودهشة من غرابة المنظر وشدة الهول .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

وقوله - تعالى - : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله } مدح وتكريم لهؤلاء الرجال .

أى : يسبح الله - تعالى - فى تلك المساجد بالغدو والآصال ، رجال من شأنهم ومن صفاتهم ، أنهم لا يشغلهم ، " تجارة " مهما عظمت ، " ولا بيع " ، مهما اشتدت حاجتهم إليه " عن ذكر الله " أى : عن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتمجيده وطاعته .

ولا تشغلهم - أيضا - هذه التجارات والبيوع عن " إقام الصلاة " فى مواقيتها بخشوع وإخلاص ، وعن " إيتاء الزكاة " للمستحقين لها .

وذلك لأنهم " يخافون يوما " هائلا شديدا هو يوم القيامة الذى " تتقلب فيه القلوب والأبصار " أى تضطرب فيه القلوب والأبصار فلا تثبت من شدة الهول والفزع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

ثم وصف تعالى المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمر الله تعالى وطلبهم لرضاه لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا ، وقال كثير من الصحابة نزلت هذه الآية في أَهل الأَسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها ، فرأى سالم بن عبد الله بن عمر أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال هؤلاء الذين أراد الله تعالى بقوله : { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } ، وروي ذلك عن ابن مسعود ، { وإقام } ، مصدر من أقام يقيم أصله أقوام نقلت حركة الواو إلى القاف فبقيت ساكنة والألف ساكنة فحذفت للالتقاء ، فجاء { إقام } ، بعض النحويين هو مصدر بنفسه قد لا يضاف وقيل لا يجوز أقمته إقاماً ، وإنما يستعمل مضافاً ، ذكره الرماني وقال بعضهم من حيث رأوه لا يستعمل إلا مضافاً ألحقت به هاء عوضاً من المحذوف فجاء إقامة ، فهم إذا أضافوه حذفوا العوض لاستغنائهم عنه بأَن المضاف والمضاف إليه كاسم واحد ، و { الزكاة } هنا عند ابن عباس الطاعة لله ، وقال الحسن هي الزكاة المفروضة في المال ، و «اليوم المخوف » الذي ذكره تعالى ، هو يوم القيامة ، واختلف الناس في تقلب { القلوب والأبصار } كيف هو ، فقالت فرقة يرى الناس الحقائق عياناً فتتقلب قلوب الشاكين ومعتقدي الضلال عن معتقداتها إلى اعتقاد الحق على وجهه وكذلك الأبصار وقالت فرقة هو تقلبها على جمر جهنم .

قال الفقيه الإمام القاضي : ومقصد الآية إنما هو وصف هول يوم القيامة ، فأما القول الأول فليس يقتضي هولاً وأما الثاني فليس التقلب في جمر جهنم يوم القيامة وإنما هو بعده .

وإنما معنى الآية عندي أن ذلك اليوم لشدة هوله ومطلعه ، القلوب والأبصار فيه مضطربة قلقة متقلبة من طمع في النجاة إلى طمع ومن حذر هلاك إلى حذر ، ومن نظر في هول إلى النظر في الآخر ، والعرب تستعمل هذا المعنى في الحروب ونحوها ومنه قول الشاعر : «بل كان قلبك في جناحي طائر »{[8732]} ومنه قول بشار كان فؤاده كرة تنزى{[8733]} ، ومنه قول الآخر : «إذا حلق النجيد وصلصل الحديد » وهذا كثير .


[8732]:جناح الطائر: ما يخفق به في الطيران، ويقال: "فلان في جناحي طائر" إذا كان قلقا دهشا، قال في اللسان: "والعرب أمثال في الجناح، منها قولهم في الرجل إذا جد في الأمر واحتفل: ركب فلان جناحي نعامة، ويقال: "ركب القوم جناحي الطائر" إذا فارقوا أوطانهم، ويقال: "فلان في جناحي طائر" إذا كان قلقا دهشا... والقلوب هي موضع القلق والاضطراب والتقلب، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا.
[8733]:هذا صدر بيت قيل: هو من شعر نصيب، وقيل: بل من شعر بشار، قال صاحب اللسان حين استشهد بأبيات على أن التنزي هو التوثب والتسرع، والأبيات هي: أقول وليلتي تزداد طولا أما لليل بعدهم نهارا؟ جفت عيني عن التغميض حتى كأن جفونها عنها قصار كأن فؤاده كره تنزى حذار البين لو نفع الحذار يشبه فؤاده بالكرة التي تتوثب وتضطرب إشفاقا من الفراق وخوفا لو كان ينفع الفراق الخوف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

المراد بالرجال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان مثلهم في التعلق بالمساجد .

وتخصيص التسبيح بالرجال على هذا لأنهم الغالب على المساجد كما في الحديث : « . . . ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد » . ويجوز عندي أن يكون { في بيوت } خبراً مقدماً و { رجال } مبتدأ ، والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { يهدي الله لنوره من يشاء } [ النور : 35 ] فيسأل السائل في نفسه عن تعيين بعض ممن هداه الله لنوره فقيل : رجال في بيوت . والرجال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيوت مساجد المسلمين وغيرها من بيوت الصلاة في أرض الإسلام والمسجد النبوي ومسجد قباء بالمدينة ومسجد جؤاثى بالبحرين .

ومعنى { لا تلهيهم تجارة } أنهم لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن الصلوات وأوقاتها في المساجد . فليس في الكلام أنهم لا يتجرون ولا يبيعون بالمرة .

والتجارة : جلب السلع للربح في بيعها ، والبيع أعم وهو أن يبيع أحد ما يحتاج إلى ثمنه .

وقرأ الجمهور : { يسبح } بكسر الموحدة بالبناء للفاعل و { رجال } فاعله . وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتح الموحدة على البناء للمجهول فيكون نائب الفاعل أحد المجرورات الثلاثة وهي { له فيها بالغدو } ويكون { رجال } فاعلاً بفعل محذوف من جملة هي استئناف . ودل على المحذوف قوله : { يسبّح } كأنه قيل : من يسبحه ؟ فقيل : يُسبح له رجال . على نحو قول نهشل بن حَريّ يرثي أخاه يزيد :

لِيُبْكِ يزيدُ ضارعٌ لخصومة *** ومختبطٌ مما تُطيح الطوائح

وجملة : { لا تلهيهم تجارة } وجملة : { يخافون } صفتان ل { رجال } ، أي لا يشغلهم ذلك عن أداء ما وجب عليهم من خوف الله { وإقام الصلاة } الخ وهذا تعريض بالمنافقين .

و { إقام } مصدر على وزن الإفعال . وهو معتل العين فاستحق نقل حركة عينه إلى الساكن الصحيح قبله وانقلاب حرف العلة ألفاً إلا أن الغالب في نظائره أن يقترن آخره بهاء تأنيث نحو إدامة واستقامة . وجاء مصدر { إقام } غير مقترن بالهاء في بعض المواضع كما هنا . وتقدم معنى إقامة الصلاة في صدر سورة البقرة ( 3 ) .

وانتصب { يوماً } من قوله : { يخافون يوماً } على المفعول به لا على الظرف بتقدير مضاف ، أي يخافون أهواله .

وتقلّب القلوب والأبصار : اضطرابها عن مواضعها من الخوف والوجل كما يتقلب المرء في مكانه . وقد تقدم في قوله تعالى : { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } في سورة الأنعام ( 110 ) . والمقصود من خوفه : العمل لما فيه الفلاح يومئذٍ كما يدل عليه قوله : { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا } .