الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

ثُمَّ يَقُولُ : أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا { لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله } إلى آخر الآية ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْعِ لَمِنِ الكَرَمُ اليَوْمَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيْنَ الحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ رَبَّهمْ ) مختصراً رواه الحاكم في «المستدرك على الصحيحين » وله طرق عن أَبي إسحاقَ ، انتهى من «السلاح » . ورواه أيضاً ابن المبارك من طريق ابن عباس قال : ( إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نادى مُنَادٍ : سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ منْ أَصْحَابُ الكَرَم ، لِيَقُمْ الحَامِدُونَ لِلَّهِ تعالى على كُلِّ حَالٍ ، فَيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلَى الجَنَّةِ ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً : سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تتجافى عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، قَالَ : فَيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجنَّة ، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً : سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ لِيَقُمَ الَّذِينَ كَانَتْ : { لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة وَإِيتَاء الزكاة يخافون يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار } فيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجَنَّة ) انتهى من «التذكرة » .

و{ الزكاة } [ النور : 37 ] .

هنا عند ابن عباس : الطاعة للَّه ، وقال الحسن : هي الزكاةُ المفروضة في المال ، واليوم المخوف : هو يوم القيامة ، ومعنى الآية : إنَّ ذلك اليوم لِشِدَّةِ هوله القلوبُ والأبصارُ فيه مضطربةٌ قِلِقَةٌ متقلبة .

قلت : ومن «الكلم الفارقية » : سعادة القلبِ إقباله على مُقَلِّبِهِ والعالِم بحال مَآله ومُنْقَلَبهِ ، القلوبُ بحار جواهرها المعارفُ ، وسواحلها الألسنة وغواصها الفكرة النافذة ، غَوَّاصُ بحر الصُّوَرِ يغوصُ بصورته في طلب مكسبه ، والعارِفُ يغوص بمعنى قلبه في بحار غَيْبِ رَبِّهِ ، فيلتقط جواهرَ الحكمة ودُرَرَ الدِّرَايَةِ . قلوبُ العارفين كالبحار تنعقد في أصداف ضمائرهم جواهِرُ المعارف والأسرار . القلوب كالأراضي إلى من أسلمت إليه قلبك بذر فيه ما عنده أَمَّا مَنْ بذر نفسه ووسواسه العفن المسوس أو بذر فيه معرفته بالرب المقدس ، انتهى .

( ت ) : فإنْ أردت سلامتك في ذلك اليوم فليكن قلبك الآن مقبلاً على طاعة مولاك فإنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاَّ مَنْ أَتَى اللّه بقلب سليم .

قال الواحِدِيُّ : ( تتقلب فيه القلوبُ ) بين الطمع في النجاة والخوفِ من الهلاك ، والأبصارُ تتقلَّبُ في أيِّ ناحية يؤخذ بهم أذاتَ اليمين أم ذاتَ الشمال ، ومن أيِّ جهة يُؤتون كتبَهم ، انتهى .