غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

35

قيل : خص الرجال بالذكر لأنهم من أهل الجماعات دون النساء . ويحتمل أن يقال : لأنهم أصل والنساء تبع . واختلفوا في { لا تلهيهم تجارة } فقيل : نفي الإلهاء لأنه تجارة ولا بيع كقوله :

ولا ترى الضب فيها ينجحر ***

وقيل : أثبت التجارة والبيع وبين أنهم مع ذلك لا يشغلهم شيء عن ذكر الله وهذا قول الأكثرين . وعن الحسن أما والله إن كانوا ليتجرون ولكن إذا جاءت فرائض الله لم يلههم عنها شيء . وما الفرق بين التجارة والبيع ؟ قيل : الأول عام لأن صناعة التاجر قد يقع فيها البيع وقد يقع فيها الشراء ، وخص البيع لأن الربح فيه يقين وفي الشراء مظنون ، فالبيع أدخل في الإلهاء . وقيل : أراد بالتجارة الشراء ، إطلاقاً لاسم الجنس على النوع . وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب يقال : تجر فلان في كذا إذا جلبه من غير بلده . وذكر الله دعاؤه والثناء عليه بما هو أهله وقيل : هو الصلاة . ومن هنا قال ابن عباس : أراد بإقام الصلاة إتمامها لمواقيتها ، وبإيتاء الزكاة طاعة الله والإخلاص له . والتاء في { إقامة } عوض من العين الساقطة للإعلال ، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض فأسقطت . ثم حكى أن هؤلاء الرجال مع ما ذكر من الطاعة والإخلاص موصوفون بالوجل والخوف من أهوال يوم القيامة . وتقلب القلوب اضطرابها من الهول والفزع ، وتقلب الأبصار شخوصها ، أو المراد تقلب أحوالهما فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعاً عليها ، وتدرك الأبصار بعد أن كانت عمياء عن النظر والاعتبار وكأنهم انقلبوا من الشك والغفلة إلى اليقين والمعاينة . وقال الضحاك : إن القلوب تزول عن أماكنها فتبلغ الحناجر والأبصار تصير زرقاً . وقال الجبائي : يحتمل أن يراد تقلبها على جمر جهنم أو تغير ماهياتها بسبب ما ينالها من العذاب فتكون مرة بهيئة ما انضج بالنار ، ومرة بهيئة ما أحرق ، وقيل : إن القلوب تتقلب في ذلك اليوم من طمع النجاة إلى الخوف من الهلاك ، والأبصار تتقلب من أيّ ناحية يؤخذ بهم أم من ناحية اليمين أم من ناحية الشمال ومن أي جهة يعطون كتابهم أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل .

/خ50