المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

280- وإن وُجد ذو عسرة فأعطوه وأمهلوه عند انقضاء أجل الدين إلى وقت ميسرته ، وتصدقكم عليه بالتنازل عن الدين أو بعضه خير لكم إن كنتم من أهل العلم والفهم لخطاب الله الذي يعلمكم المروءة والإنسانية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

ثم أمر الله - تعالى - الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال - تعالى - : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } .

والعسرة : اسم من الإِعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال : أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال .

والنظرة : اسم من الإِنظار بمعنى الإمهال . يقال : شنظره وانتظره وتنظره ، تأنى عليه وأمهله في الطلب .

والميسرة : مفعلة من اليسر الذي هو ضد الإِعسار . يقال : أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت حاله .

والمعنى : وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت سالذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من ديون ، ولا تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له : إما أن تقضي وإما أن تربي أي تدفع زيادة على أصل الدين .

و ( كان ) هنا الظاهر أنها تامة بمعنى وجد أو حدث ، فتكتفى بفاعلها كسائر الأفعال . وقيل يجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير مستكن فيها يعود إلى المدين وإن لم يذكر وذلك على قراءة ( ذا عسرة ) بالنصب وقوله : ( فنظرة ) الفاء جواب الشرط . ونظرة خبر لمبتدأ محذوف أي فالأمر أو فالواجب أو مبتدأ محذوف الخبر أي فعليكم نظرة .

ثم حبب - سبحانه - إلى عباده التصدق بكل أو ببعض ما لهم من ديون على المدينين المعسرين فقال - تعالى - : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

أي : وأن تتركوا للمعسر كل أو بعض ما لكم عليه من ديون وتتصدقوا بها عليه ، فإن فعلكم هذا يكون أكثر ثواباً لكم من الأنظار .

وجواب الشرط في قوله : { إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } محذوف . أي إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم فلا تتباطؤا في فعله ، بل سارعوا إلى تنفيذه فإن التصدق بالدين على المعسر ثوابه جزيل عند الله - تعالى - .

وقد أورد بعض المفسرين جملة من الأحاديث النبوية التي تحض على إمهال المعسر ، والتجاوز عما عليه من ديون .

ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " .

وروى الطبراني عن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله فليسير مع معسر أو ليضع عنه " .

وروى الإِمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

275

ويكمل السياق الأحكام المتعلقة بالدين في حالة الإعسار . . فليس السبيل هو ربا النسيئة : بالتأجيل مقابل الزيادة . . ولكنه هو الإنظار إلى ميسرة . والتحبيب في التصدق به لمن يريد مزيدا من الخير أوفى وأعلى :

( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وأن تصدقوا خير لكم . . إن كنتم تعلمون ) . .

إنها السماحة الندية التي يحملها الإسلام للبشرية . إنه الظل الظليل الذي تأوي إليه البشرية المتعبة في هجير الأثرة والشح والطمع والتكالب والسعار . إنها الرحمة للدائن والمدين وللمجتمع الذي يظل الجميع !

ونحن نعرف أن هذه الكلمات لا تؤدي مفهوما " معقولا " في عقول المناكيد الناشئين في هجير الجاهلية المادية الحاضرة ! وأن مذاقها الحلو لا طعم له في حسهم المتحجر البليد ! - وبخاصة وحوش المرابين سواء كانوا أفرادا قابعين في زوايا الأرض يتلمظون للفرائس من المحاويج والمنكوبين الذين تحل بهم المصائب فيحتاجون للمال للطعام والكساء والدواء أو لدفن موتاهم في بعض الأحيان ، فلا يجدون في هذا العالم المادي الكز الضنين الشحيح من يمد لهم يد المعونة البيضاء ؛ فيلجأون مرغمين إلى أوكار الوحوش . فرائس سهلة تسعى إلى الفخاخ بأقدامها . تدفعها الحاجة وتزجيها الضرورة ! سواء كانوا أفرادا هكذا أو كانوا في صورة بيوت مالية ومصارف ربوية . فكلهم سواء . غير أن هؤلاء يجلسون في المكاتب الفخمة على المقاعد المريحة ؛ ووراءهم ركام من النظريات الاقتصادية ، والمؤلفات العلمية ، والأساتذة والمعاهد والجامعات ، والتشريعات والقوانين ، والشرطة والمحاكم والجيوش . . كلها قائمة لتبرير جريمتهم وحمايتها ، وأخذ من يجرؤ على التلكؤ في رد الفائدة الربوية إلى خزائنهم باسم القانون . . ! !

نحن نعرف أن هذه الكلمات لا تصل إلى تلك القلوب . . ولكنا نعرف أنها الحق . ونثق أن سعادة البشرية مرهونة بالاستماع إليها والأخذ بها :

( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) .

وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ( 281 )

إن المعسر - في الإسلام - لا يطارد من صاحب الدين ، أو من القانون والمحاكم . إنما ينظر حتى يوسر . . ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين . فالله يدعو صاحب الدين أن يتصدق بدينه - إن تطوع بهذا الخير . وهو خير لنفسه كما هو خير للمدين . وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكافلة . لو كان يعلم ما يعلمه الله من سريرة هذا الأمر !

ذلك أن إبطال الربا يفقد شطرا كبيرا من حكمته إذا كان الدائن سيروح يضايق المدين ، ويضيق عليه الخناق . وهو معسر لا يملك السداد . فهنا كان الأمر - في صورة شرط وجواب - بالانتظار حتى يوسر ويقدر على الوفاء . وكان بجانبه التحبيب في التصدق بالدين كله أو بعضه عند الإعسار .

على أن النصوص الأخرى تجعل لهذا المدين المعسر حظا من مصارف الزكاة ، ليؤدي دينه ، وييسر حياته : إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . . والغارمين . . . وهم أصحاب الديون . الذين لم ينفقوا ديونهم على شهواتهم وعلى لذائذهم . إنما أنفقوها في الطيب النظيف . ثم قعدت بهم الظروف !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

وقوله : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء ، فقال : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة } [ أي ] :{[4624]} لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي .

ثم يندب{[4625]} إلى الوضع عنه ، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل ، فقال : { وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين . وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بذلك :

فالحديث الأول : عن أبي أمامة أسعد بن زرارة [ النقيب ] ، {[4626]} قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن شعيب الرجاني{[4627]} حدثنا يحيى بن حكيم المقوم ، حدثنا محمد بن بكر البرساني ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثني عاصم بن عبيد الله ، عن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله ، فَلْيُيَسِّر على معسر أو ليضع عنه " {[4628]} .

حديث آخر{[4629]} : عن بريدة ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة " . قال : ثم سمعته يقول : " من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثلاه صدقة " . قلت : سمعتك - يا رسول الله - تقول : " من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة " . ثم سمعتك تقول : " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة " ؟ ! قال : " له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين ، فإذا حل الدين فأنظره ، فله بكل يوم مثلاه صدقة " {[4630]} .

حديث آخر{[4631]} : عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري ، قال [ الإمام ]{[4632]} أحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا أبو جعفر الخطمي ، عن محمد بن كعب القرظي : أن أبا قتادة كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه ، فيختبئ{[4633]} منه ، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه ، فقال : نعم ، هو في البيت يأكل خزيرة فناداه : يا فلان ، اخرج ، فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج إليه ، فقال : ما يغيبك عني ؟ فقال : إني معسر ، وليس عندي . قال : آلله إنك معسر ؟ قال : نعم . فبكى أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من نفس عن غريمه - أو محا عنه - كان في ظل العرش يوم القيامة " . ورواه مسلم في صحيحه{[4634]} .

حديث آخر{[4635]} : عن حذيفة بن اليمان ، قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الأخنس أحمد بن عمران{[4636]} حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن رِبْعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة ، قال : ماذا عملت لي في الدنيا ؟ فقال : ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها ، قالها ثلاث مرات ، قال العبد عند آخرها : يا رب ، إنك أعطيتني فضل مال ، وكنت رجلا أبايع الناس وكان من خلقي الجواز ، فكنت أيسر على الموسر ، وأنظر المعسر . قال : فيقول الله ، عز وجل : أنا أحق من ييسر ، ادخل الجنة " .

وقد أخرجه البخاري ، ومسلم ، وابن ماجه - من طرق - عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة . زاد مسلم : وعقبة بن عامر وأبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم{[4637]} بنحوه . ولفظ البخاري .

حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه : تجاوزوا عنه ، لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه " .

حديث آخر{[4638]} : عن سهل بن حنيف ، قال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا عمرو بن ثابت ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن سهل بن حنيف ، أن سهلا حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غازيا ، أو غارما في عسرته ، أو مكاتبًا في رقبته ، أظله الله{[4639]} يوم لا ظل إلا ظله " ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه{[4640]} .

حديث آخر{[4641]} : عن عبد الله بن عمر ، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، عن يوسف بن صهيب ، عن زيد العمي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن تستجاب دعوته ، وأن تكشف كربته ، فليفرج عن معسر " ، انفرد به أحمد{[4642]} .

حديث آخر{[4643]} : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا أبو مالك ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، أن رجلا أتى به الله عز وجل ، فقال : ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال له الرجل : ما عملت مثقال ذرة من خير أرجوك بها ، فقالها له ثلاثا ، وقال في الثالثة : أي رب كنت أعطيتني فضلا من المال في الدنيا ، فكنت أبايع الناس ، فكنت أتيسر على الموسر ، وأنظر المعسر . فقال تبارك وتعالى{[4644]} نحن أولى بذلك منك ، تجاوزوا عن عبدي . فغفر له . قال أبو مسعود : هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا رواه مسلم من حديث أبي مالك سعد بن طارق به{[4645]} .

حديث آخر{[4646]} : عن عمران بن حصين ، قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي داود ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان له على رجل حق فأخره{[4647]} كان له بكل يوم صدقة " {[4648]} .

غريب من هذا الوجه وقد تقدم عن بريدة نحوه .

حديث آخر{[4649]} : عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، قال : حدثني أبو اليسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله ، عز وجل ، في ظله يوم لا ظل إلا ظله " {[4650]} .

وقد أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر ، من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه غلام له معه ضمامة من صحف ، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ، وعلى غلامه بردة ومعافري فقال له أبي : يا عم ، إني أرى في وجهك سفعة من غضب ؟ قال أجل ، كان لي على فلان بن فلان الحرامي{[4651]} مال ، فأتيت أهله فسلمت ، فقلت : أثم هو ؟ قالوا : لا فخرج علي ابن له جفر فقلت : أين أبوك ؟ فقال : سمع صوتك فدخل أريكة أمي . فقلت : اخرج إلي فقد علمت أين أنت ؟ فخرج ، فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال : أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك ؛ خشيت{[4652]} - والله - أن أحدثك فأكذبك ، وأن أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت - الله - معسرًا قال : قلت : آلله ؟ قال : قلتُ : آلله ، قال : اللهِ . قلتُ : آلله ؟ قال : الله . قال : فأتى بصحيفته فمحاها بيده ، ثم قال : فإن وجدت قضاء فاقضني ، وإلا فأنت في حل ، فأشهد بصر عيني - ووضع أصبعيه على عينيه - وسمع أذني هاتين ، ووعاه قلبي - وأشار إلى مناط{[4653]} قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " من أنظر معسرًا ، أو وضع عنه أظله الله في ظله " . وذكر تمام الحديث{[4654]} .

حديث آخر{[4655]} : عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، قال عبد الله بن الإمام أحمد [ في مسند أبيه ]{[4656]} حدثني{[4657]} أبو يحيى البزاز محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا الحسن بن بشر بن سلم الكوفي ، حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري ، عن هشام بن زياد القرشي ، عن أبيه ، عن محجن مولى عثمان ، عن عثمان ، قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " أظل الله عينا في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا ، أو ترك لغارم " {[4658]} .

حديث آخر{[4659]} : عن ابن عباس ، قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا نوح بن جعونة السلمي الخراساني ، عن مقاتل بن حيان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، وهو يقول بيده هكذا - وأومأ عبد الرحمن بيده إلى الأرض - : " من أنظر معسرًا أو وضع له ، وقاه الله من فيح جهنم ، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة - ثلاثًا - ألا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن ، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانًا " تفرد به أحمد{[4660]} .

طريق أخرى : قال الطبراني : حدثنا أحمد بن محمد البُورَاني قاضي الحَدِيَثة من ديار ربيعة ، حدثنا الحُسَين بن علي الصُّدَائي ، حدثنا الحكم بن الجارود ، حدثنا ابن أبي المتئد - خال ابن عيينة - عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنظر معسرًا إلى ميسرته أنظره الله بذنبه إلى توبته " {[4661]} .


[4624]:زيادة من جـ، أ، و.
[4625]:في جـ: "ثم ندب".
[4626]:زيادة من جـ، أ، و.
[4627]:في جـ، أ، و: "المرجاني".
[4628]:المعجم الكبير (1/304) وقال الهيثمي في المجمع (4/134): "عاصم ضعيف ولم يدرك أسعد بن زرارة".
[4629]:في جـ، أ: "الحديث الثاني".
[4630]:المسند (5/360).
[4631]:في جـ، أ: "الحديث الثالث".
[4632]:زيادة من جـ، أ، و.
[4633]:في جـ، أ: "فيختفي".
[4634]:المسند (5/308) ولم أقع عليه في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة، والله أعلم.
[4635]:في جـ، أ: "الحديث الرابع".
[4636]:هو أحمد بن عمران الأخنسي، والأخنسي نسبة انظر: الجرح والتعديل (2/64).
[4637]:صحيح البخاري برقم (2391، 2707، 3451) وصحيح مسلم برقم (1560).
[4638]:في جـ، أ: "الحديث الخامس".
[4639]:في جـ، أ، و: "أظله الله في ظله".
[4640]:المستدرك (2/217)، وتعقبه الذهبي في التلخيص. قلت: "بل فيه عمرو بن ثابت وهو رافضي متروك".
[4641]:في جـ، أ: "الحديث السادس".
[4642]:المسند (2/23).
[4643]:في جـ، أ: "الحديث السابع".
[4644]:في جـ: "فقال تعالى وتبارك".
[4645]:المسند (4/118) وصحيح مسلم برقم (1560).
[4646]:في جـ، أ: "الحديث الثامن".
[4647]:في جـ: "حق فمن أخره".
[4648]:المسند (4/442).
[4649]:في ج، أ: "الحديث التاسع".
[4650]:المسند (3/427).
[4651]:في أ: "الحراني"، وفي و: "الحزامي".
[4652]:في جـ: "خفت".
[4653]:في جـ، أ، و: "إلى نياط".
[4654]:صحيح مسلم برقم (306).
[4655]:في جـ، أ: "الحديث العاشر".
[4656]:زيادة من جـ، أ، و.
[4657]:في جـ: "حدثنا".
[4658]:زوائد المسند (1/73).
[4659]:في جـ، أ: "الحديث الحادي عشر".
[4660]:المسند (1/327).
[4661]:المعجم الكبير (11/151)، وقال الهيثمي في المجمع (4/135): "وفيه الحكم بن جارود ضعفه الأزدي، وشيخ الحكم وشيخ شيخه لم أعرفهما".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 280 )

حكم الله تعالى لأرباب الربا برؤوس الأموال عند الواجدين للمال ، ثم حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حالة اليسر . قال المهدوي : وقال بعض العلماء هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين ، وحكى مكي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في صدر الإسلام( {[2739]} ) .

قال القاضي أبو محمد : فإن ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو نسخ ، وإلا فليس بنسخ ، و «العسرة » ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة ، والنظرة : التأخير ، والميسرة مصدر بمعنى اليسر ، وارتفع { ذو عسرة } ب { كان } التامة التي هي بمعنى وجد وحدث . هذا قول سيبويه وأبي علي وغيرهما ، ومن هنا يظهر أن الأصل الغنى ووفور الذمة ، وأن العدم طارىء حادث يلزم أن يثبت . وقال بعض الكوفيين ، حكاه الطبري : بل هي { كان } الناقصة والخبر محذوف ، تقديره { وإن كان } من غرمائكم { ذو عسرة } وارتفع قوله : { فنظرة } على خبر ابتداء مقدر ، تقديره فالواجب نظرة ، أو فالحكم نظرة .

قال الطبري : وفي مصحف أبي بن كعب : { وإن كان ذو عسرة } على معنى وإن كان المطلوب ، وقرأ الأعمش «وإن كان معسراً فنظرة » .

قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى : وكذلك في مصحف أبي بن كعب ، قال مكي والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا ، وعلى من قرأ { وإن كان ذو عسرة } بالواو فهي عامة في جميع من عليه دين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا غير لازم( {[2740]} ) ، وحكى المهدوي أن في مصحف عثمان ، «فإن كان » بالفاء { ذو عسرة } بالواو ، وقراءة الجماعة نظرة بكسر الظاء ، وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن : «فنظْرة » بسكون الظاء ، وكذلك قرأ الضحاك ، وهي على تسكين الظاء من نظرة ، وهي لغة تميمية ، وهم الذين يقولون : كرم زيد بمعنى كرم ، ويقولون ، كبد من كبد ، وكتف في كتف ، وقرأ عطاء بن أبي رباح «فناظرة » على وزن فاعلة ، وقال الزجّاج : هي من أسماء المصادر ، كقوله تعالى : { ليس لوقعتها كاذبة } [ الواقعة : 2 ] وكقوله تعالى : { تظن أن يفعل بها فاقرة } [ القيامة : 25 ] ، وكخائنة الأعين( {[2741]} ) وغيره ، وقرأ نافع وحده «ميسُرة » بضم السين ، وقرأ باقي السبعة وجمهور الناس «ميسَرة » بفتح السين على وزن مفعلة ، وهذه القراءة أكثر في كلام العرب ، لأن مفعلة بضم العين قليل .

قال أبو علي : قد قالوا : مسربة ومشربة( {[2742]} ) ، ولكن مفعلة بفتح العين أكثر في كلامهم ، وقرأ عطاء بن أبي رياح أيضاً ومجاهد : «فناظره إلى ميسُره » على الأمر في «ناظره » وجعلا الهاء ضمير الغريم ، وضما السين من «ميسُره » وكسر الراء وجعلا الهاء ضمير الغريم ، فأما ناظره ففاعله من التأخير ، كما تقول : سامحه( {[2743]} ) ، وأما ميسر فشاذ ، قال سيبويه : ليس في الكلام مفعل ، قال أبو علي يريد في الآحاد ، فأما في الجمع فقد جاء قول عدي بن زيد : [ الرمل ]

أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنّي مَأْلُكاً . . . أَنَّه قَدْ طالَ حَبْسي وانتظاري( {[2744]} )

وقول جميل : [ الطويل ]

بثين الزمي - لا - إنَّ - لا - إنْ لزمته . . . على كثرةِ الواشين أيّ معون

فالأول جمع مألكه ، والآخر جمع معونة( {[2745]} ) ، وقال ابن جني : إن عدياً أراد مالكة فحذف ، وكذلك جميل أراد أي معونة ، وكذلك قول الآخر : [ الراجز ]

«ليومِ روعٍ أو فِعال مكْرَمِ ( {[2746]} ) » . . . «أرادَ مَكْرُمَة » ، فحذف قال : ويحتمل أن تكون جموعاً كما قال أبو علي .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فإن كان ميسر جمع ميسرة فيجري مجرى هذه الأمثلة ، وإن كان قارئه أراد به الإفراد فذلك شاذ ، وقد خطأه بعض الناس ، وكلام سيبويه يرده ، واختلف أهل العلم : هل هذا الحكم بالنظرة إلى الميسرة : واقف على أهل الربا أو هو منسحب على كل ذي دين حال ؟

فقال ابن عباس وشريح : ذلك في الربا خاصة ، وأما الديون وسائر الأمانات فليس فيها نظرة ، بل تؤدى إلى أهلها( {[2747]} ) ، وكأن هذا القول( {[2748]} ) يترتب إذا لم يكن فقر مدقع وأما مع الفقر والعدم الصريح ، فالحكم هي النظرة ضرورة ، وقال جمهور العلماء النظرة إلى الميسرة حكم ثابت في المعسر سواء كان الديْن ربا أو من تجارة في ذمة أو من أمانة ، فسره الضحاك( {[2749]} ) .

وقوله تعالى : { وأن تصدقوا } ابتداء وخبره { خير } ، وندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيراً من إنظاره ، قاله السدي وابن زيد والضحاك وجمهور الناس . وقال الطبري وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم ، ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة أقوالاً لقتادة وإبراهيم النخعي لا يلزم منها ما تضمنته ترجمته ، بل هي كقول جمهور الناس ، وليس في الآية مدخل للغني( {[2750]} ) ، وقرأ جمهور القراء : «تصَّدقوا » بتشديد الصاد على الإدغام من تتصدقوا . وقرأ عاصم «وأن تصْدقوا » بتخفيف الصاد وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وأن تصدقوا » بفك الإدغام .

وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال : كان آخر ما أنزل من القرآن آية الربا ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا ، فدعوا الربا والريبة . وقال ابن عباس : آخر ما نزل آية الربا( {[2751]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل( {[2752]} ) ، لأن جمهور الناس وابن عباس والسدي والضحاك وابن جريج وغيرهم ، قال : آخر آية قوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين ، وروي أن قوله عز وجل : { واتقوا } نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال ، ثم لم ينزل بعدها شيء ، وروي بثلاث ليال ، وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات ، وأنه قال عليه السلام اجعلوها بين آية الربا وآية الدين ، وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية ، من البقرة .


[2739]:- إشارة إلى حديث رواه الدارقطني والبزار إلا أنه حديث ضعيف. انظر (ق).
[2740]:- خلاصة الرأي أن قراءة النصب تختص بديْن الربا، وقراءة الرفع تشمل ديْن الربا وغيره، قال ابن عطية: والعموم غير لازم.
[2741]:- الآيات بترتيبها: الآية (2) من سورة الواقعة – والآية (25) من سورة القيامة، ومن الآية (19) من سورة غافر.
[2742]:- المسرُبَة (بفتح الراء وضمها): الشَّعر وسط الصدر إلى البطن، والمشْرُبَة كذلك: المكان يشرب منه: والأرض ليِّنةً دائمة النبات.
[2743]:- فمعنى ناظِرْهُ: سامحه، أو أخّره إلى وقت اليسر والغنى.
[2744]:- المألك، الرسالة، جمعه مآلك – والمألَكة والمألُكة – بفتح اللام وضمها: الرسالة أيضا، وجمعها كذلك مآلك.
[2745]:- تأول أبو الفتح بن جني الأبيات على أنها آحاد محذوفة التاء، وقال أبو علي الفارسي: إنها جموع لا آحاد.
[2746]:- هو أبو الأخزر الحماني، والبيت بتمامه: مَروان مرْوان أخو اليوم اليَمي ليوم رَوْع أو فَعالِ مكـرُم واليوم اليمي: اليوم الشديد، واليمي مقلوب اليوم، أخر الواو وقدم الميم، ثم قلبت الواو ياءً حيث صارت طرفاً.
[2747]:- لقوله تعالى: [إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها].
[2748]:- أي قول ابن عباس: إن التأخير خاص بديْن الربا إذا لم يكن المدين في فقر مدقع، وأما إذا كان كذلك فلا فرق بين دين الربا وغيره، ولعل ابن عباس لا يخالف في هذا، والله أعلم.
[2749]:- روى الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله بسنده إلى الضحاك في تفسير الآية قال: "وكذلك كل دين على مسلم، فلا يحل لمسلم له دين على أخيه يعلم منه عسرة أن يسجنه ولا يطلبه حتى ييسره الله عليه». ا هـ. وذكر أبو (ح) في تفسيره ما يأتي: «جاء في فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة منها: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله)».
[2750]:- وإنما المهم أمر المعسر، ولذلك سيقت الآية الكريمة، وفي كلام ابن عطية هذا ردّ على القول بشمول الآية للغني والفقير.
[2751]:- هذا باعتبار النزول كما هو صريح، وأما باعتبار الحكم فقبل ذلك بكثير – ألا ترى إلى الآية المذكورة في وقعة أُحد: [يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الرِّبا أضعافا مضاعفة]، قال المفسرون: لما نزلت سورة النصر عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها عاما كاملا، ثم نزلت: [لقد جاءكم رسول من أنفسكم] إلى آخر السورة، وعاش بعدها صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ثم نزل عليه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة: [اليوم أكملت لكم دينكم] الآية، وعاش بعدها صلى الله عليه وسلم واحداً وثمانين يوما ثم نزلت آية الربا، ثم نزلت بعدها: [واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون]، وهي آخر آية نزلت من السماء، وعاش بعدها صلى الله عليه وسلم واحداً وعشرين يوما، وقيل: تسع ليال، وقيل: سبع ليال، ثم مات يوم الاثنين صلى الله عليه وسلم لليلتين خلتا من ربيع الأول، ونسأل الله عز وجل أن نموت على سنته ويوم موتته، وهو سبحانه أعلم وأرحم بعباده.
[2752]:- أو آخر ما نزل من آيات البيوع.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

عطف على قوله : { فلكم رؤوس أموالكم } لأنّ ظاهر الجواب أنّهم يسترجعونها معجّلة ، إذ العقود قد فسخت . فعطف عليه حالة أخرى ، والمعطوفُ عليه حالة مقدّرة مفهومة لأنّ الجزاء يدل على التسبّب ، والأصل حصول المشروط عند الشرط . والمعنى وإن حصل ذو عسرة ، أي غريم معسر .

وفي الآية حجة على أنّ ( ذُو ) تضاف لغير ما يفيد شيئاً شريفاً .

والنظِرة بكسر الظاء الانتظار .

والميسُرة بضم السين في قراءة نافع وبفتحها في قراءة الباقين اسم لليسر وهو ضدّ العسر بضم العين وهي مَفْعُلة كمَشرُقَة ومَشْرُبَة ومألُكَة ومَقْدُرة ، قال أبو علي ومَفْعَلة بالفتح أكثر في كلامهم .

وجملة فنظرة جواب الشرط ، والخبر محذوف ، أي فنظرة له .

والصيغة طلب ، وهي محتملة للوجوب والندب . فإن أريد بالعسرة العُدْم أي نفاد مالِهِ كلّه فالطلب للوجوب ، والمقصود به إبطال حكم بيع المعسر واسترقاقه في الدّين إذا لم يكن له وفاء . وقد قيل : إن ذلك كان حكماً في الجاهلية وهو حكم قديم في الأمم كان من حكم المصريين ، ففي القرآن الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى : { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } [ يوسف : 76 ] . وكان في شريعة الرومان استرقاق المدين ، وأحسب أن في شريعة التوراة قريباً من هذا ، وروي أنّه كان في صدر الإسلام ، ولم يثبت . وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء فالطلب يحتمل الوجوب ، وقد قال به بعض الفقهاء ، ويحتمل الندب ، وهو قول مالك والجمهور ، فمن لم يشأ لم ينظره ولو ببيع جميع ماله لأنّ هذا حق يمكن استيفاؤه ، والإنظار معروف والمعروف لا يجب . غير أن المتأخرين بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع ، ويؤجلونه بالاجتهاد لئلاّ يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما بِهِ الخلاصُ .

ومورد الآية على ديون معاملات الربا ، لكنّ الجمهور عمّموها في جميع المعاملات ولم يعتبروا خصوص السبب لأنّه لما أبطل حكم الربا صار رأس المال ديناً بحتاً ، فما عيّن له من طلب الإنظار في الآية حكم ثابت للدين كلُه . وخالف شريح فخَصّ الآية بالديون التي كانت على ربا ثم أبطل رباها .

وقوله : { وأن تصدقوا خير لكم } أي أنّ إسقاط الدين عن المعسر والتنفيس عليه بإغنائه أفضل ، وجعله الله صدقة لأنّ فيه تفريج الكرب وإغاثة الملهوف .

وقرأ الجمهور من العشرة { تصدقوا } بتشديد الصاد على أنّ أصله تتصدّقوا فقلبت التاء الثانية صاداً لتقاربهما وأدغمت في الصاد ، وقرأه عاصم بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين للتخفيف .