المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

18- وخوِّفهم - يا محمد - يوم القيامة القريبة ، حين تكون القلوب عند الحناجر من شدة الخوف ، ممتلئين غيظاً لا يستطيعون التعبير عنه ، ليس للظالمين أنفسهم بالكفر قريب ولا شفيع يطاع في أمرهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ثم يوجه الله - تعالى أمره إلى النبى صلى الله عليه وسلم بأن يحذر كفار قريش من أهوال هذا اليوم فيقول : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كَاظِمِينَ . . } .

والآزفة : القيامة . وأصل معنى الأزفة : القريبة ، وسميت القيامة بذلك لقربها ، يقال : أزف - بزنة فرح - يوم الرحيل : إذا دنا وقرب .

والحناجر : جمع حنجرة وهى الحلقوم .

وكاظمين : حال من أصحاب القلوب على المعنى . فإن ذكر القلوب يدل على ذكر أصحابها .

وأصل الكظم : الحبس والإِمساك للشئ . يقال : كظم القربة إذا ملأها بالماء ، وسد فاها ، حتى لا يخرج منها شئ من الماء .

والمعنى : وأنذر - أيها الرسول الكريم - الناس ، وحذرهم من أهوال يوم عظيم قريب الوقوع ، هذا اليوم تكون قلوبهم فيه مرتفعة عن مواضعها من صدورهم . ومتشبثة بحناجرهم ، ويكونون كاظمين عليها وممسكين بها حتى لا يخرج مع أنفساهم . كما يمسك صاحب القربة فمها لكى لا يتسرب منها الماء .

فالآية الكريمة تصوير يديع لما يكون عليه الناس فى هذا اليوم من فزع شديد ، وكرب عظيم . وخوف ليس بعده خوف .

والحديث عن قرب يوم القيامة قد جاء فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - : { اقتربت الساعة وانشق القمر . . } وقوله - سبحانه - { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } والظاهر أن قوله هنا { يَوْمَ الأزفة } هو المفعول الثانى للإِنذار ليس ظرفا له . لأن الإِنذار والتخويف من أهوال يوم القيامة واقع فى دار الدنيا .

وقوله : { إِذِ القلوب } بدل من يوم الآزفة .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت " كاظمين " بم انتصب ؟ قلت : هو حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأن المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها . ويجوز أن يكون حالا من القلوب ، وأن القلوب ، كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر .

وإنما جُمِع السلامة ، لأنه وصفها بالكظم الذى هو من أفعال العقلاء ، كما قال - تعالى - : { والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ . . . } وقوله - تعالى - : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } نفى لكون هؤلاء الظالمين يوجد فى هذا اليوم من ينفعهم أو يدافع عنهم .

والحميم : هو الإِنسان الذى يحبك ويشفق عليك ويهتم بأمرك ، ومنه قيل لخاصة الرجل : حَامَّتهُ .

والشفيع : من الشفع ، بمعنى الانضمام ، يقال شفع فلان لفلان إذا انضم إليه ليدافع عنه .

أى : ليس للظالمين فى هذا اليوم قريب أو محب يعطف عليهم ، ولا شفيع يطيعهم فى الشفاعة لهم ، لأنهم فى هذا اليوم يكونون محل غضب الجميع ونقمتهم ، بسبب ظلمهم وإصرارهم على كفرهم .

فالآية الكريمة نفت عنهم الصديق الذى يهتم بأمرهم ، والشفيع الذى يشفع لهم ، والإِنسان الذى تكون له أية كلمة تسمع فى شأنهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ويستطرد السياق يوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى إنذار القوم بذلك اليوم ، في مشهد من مشاهد القيامة يتفرد فيه الله بالحكم والقضاء ؛ بعدما عرضه عليهم في صورة حكاية لم يوجه لهم فيها الخطاب :

( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع . يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ) . .

والآزفة . . القريبة والعاجلة . . وهي القيامة . واللفظ يصورها كأنها مقتربة زاحفة . والأنفاس من ثم مكروبة لاهثة ، وكأنما القلوب المكروبة تضغط على الحناجر ؛ وهم كاظمون لأنفاسهم ولآلامهم ولمخاوفهم ، والكظم يكربهم ، ويثقل على صدورهم ؛ وهم لا يجدون حميماً يعطف عليهم ولا شفيعاً ذا كلمة تطاع في هذا الموقف العصيب المكروب !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

يوم الآزفة هو : اسم من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لاقترابها ، كما قال تعالى : { أَزِفَتِ الآزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } [ النجم : 57 ، 58 ] وقال { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] ، وقال { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الانبياء : 1 ] وقال { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] وقال { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } [ الملك : 27 ] .

وقوله : { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } [ أي ساكتين ] {[25479]} ، قال قتادة : وقفت القلوب في الحناجر من الخوف ، فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها . وكذا قال عكرمة ، والسدي ، وغير واحد .

ومعنى { كَاظِمِينَ } أي : ساكتين ، لا يتكلم أحد إلا بإذنه { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] .

وقال ابن جُرَيْج {[25480]} : { كَاظِمِينَ } أي : باكين .

وقوله : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي : ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ، ولا شفيع يشفع فيهم ، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير .


[25479]:- (1) زيادة من ت.
[25480]:- (2) في ت: "جرير".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله ، وهو الذي أراد ب { يوم الآزفة } ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد : ومعنى { الآزفة } : القريبة ، من أزف الشيء إذا قرب ، و { الآزفة } في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله ، فعبر عنه بالقرب تخويفاً ، والتقدير : يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال : وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها ، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها .

وقوله : { إذ القلوب لدى الحناجر } معناه : عند الحناجر ، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع ، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم ، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة ، ويحتمل أن يكون تجوزاً عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب ، وهذا كما تقول العرب : كادت نفسي أن تخرج ، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو .

وقوله : { كاظمين } حال مما أبدل منه قوله : { إذ القلوب لدى الحناجر } أو مما تتضاف إليه القلوب ، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم ، وهذا كقوله تعالى : { تشخص فيه الأبصار مهطعين إلى الداع }{[9979]} [ القمر : 8 ] أراد تشخص فيه أبصارهم ، والكاظم : الذي يرد غيظه وجزعه في صدره ، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم . ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم ، أي قريب يحتم لهم ويتعصب ، ولا لهم شفيع يطاع فيهم ، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل ، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة : اشفع لنا ، فيقوم ليشفع ، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر ، ثم ينحصر ويكع ويخزى . و : { يطاع } في موضع الصفة ل { شفيع } ، لأن التقدير : ولا شفيع يطاع ، وموضع { يطاع } يحتمل أن يكون خفضاً حملاً على اللفظ ، ويحتمل أن يكون رفعاً عطفاً على الموضع قبل دخول { من } .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ .


[9979]:من الآية (42، 43) من سورة (إبراهيم).