وقوله : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } زيادة بيان لحرص الشيطان على إضلال بنى آدم بشتى الوسائل ، أى : آتيهم من الجهات الأربع التي اعتاد العدو أن يهاجم عدوه منها ، والمراد : لأسولنّ لهم ولأظلنّهم بحيث لا أفتر عن ذلك ولا أيأس .
وقيل إن معنى { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أى : من قبل الآخرة لأنها مستقبلة آتية ، وما هو كذلك فكأنه بين الأيدى . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أى من قبل الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة " وعن أيمانهم وعن شمائلهم " أى : من جهة حسناتهم وسيئاتهم بحيث أزين لهم السيئات وأزهدهم في الحسنات .
وقوله : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } أى : مطيعين مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى الله .
وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن كقوله - تعالى - :
{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين } ولقد وردت آيات كثيرة وأحاديث متعددة في التحذير من الشيطان وكيده ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } وجاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن سبرة بن الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ؟ قال : فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ؟ قال : فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول - أى كالفرس المربوطة بالحبل . قال : فعصاه فهاجر . قال : ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : هو جهاد النفس والمال . فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ، قال فعصاه فجاهد : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك منهم فمات ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة " .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائى وغيرهم عن عبد الله بن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسى . يقول : " اللهم إنى أسألك العفو والعافية في دينى ودنياى وأهلى ومالى . اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى اللهم احفظنى من بين يدى ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى ، وأعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتى " .
وإنه سيأتي البشر من كل جهة : ( من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) . . للحيلولة بينهم وبين الإيمان والطاعة . . وهو مشهد حي شاخص متحرك لإطباق إبليس على البشر في محاولته الدائبة لإغوائهم ، فلا يعرفون الله ولا يشكرونه ، اللهم إلا القليل الذي يفلت ويستجيب :
ويجيء ذكر الشكر ، تنسيقا مع ما سبق في مطلع السورة : ( قليلاً ما تشكرون ) . . لبيان السبب في قلة الشكر ؛ وكشف الدافع الحقيقي الخفي ، من حيلولة إبليس دونه ، وقعوده على الطريق إليه ! ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الهدى ؛ وليأخذوا حذرهم حين يعرفون من أين هذه الآفة التي لا تجعل أكثرهم شاكرين !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.