التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

قوله : { ثم لأتيناهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمالهم } تأويل ذلك : أن إبليس سوف يسول لبني آدم الكفر والعصيان بكل صوره وأشكاله . ولسوف يزين لهم الضلال والباطل بكل الأسباب والوسائل وبمختلف طرقه وأساليب في التزيين والإغراء والإغواء ليودي بهم في النهاية إلى الجحيم فيكونوا شركاءه في النار ؛ إذ يلتقي الكافرون الظالمون في جموع حاشدة كاثرة وهم من مجرمي الجن والإنس ليكونوا جميعا في خندق الخزي والعذاب . إن إبليس يتدسس إلى بني آدم من كل مكان أو موقع ، ومن كل جهة أو ناحية ، ومن كل سبيل أو درب ليستنفر في كيانهم نزعة الشر ، وليستثير فيهم الشهوات والغرائز فيميلوا كل الميل فإذا هم منزلقون في هاوية الضلال والباطل .

وقيل : المراد بقوله : من بين أيديهم : من الدنيا ، ومن خلفهم : من الآخرة ، وعن أيمانهم ، من قبل الحق ، وعن شمائلهم : من قبل الباطل .

أما إتيانهم من قبل الدنيا ، فهو أن يدعوهم إلى لذائذها ومباهجها وزيتنها وكفى : فيرغبون فيها عما سواها . وأما إتيانهم من قبل الآخرة فهو أن يشككهم فيها ليرتابوا في قيام الساعة فيكونوا في زمرة الجاحدين الكافرين . وأما إتيانهم من قبل الحق أو الحسنات فهو أن يزهدهم فيها . وإتيانهم من قبل الباطل أو السيئات فهو ترغيبهم في الاستغراق في الباطل والاستكثار من السيئات والمعاصي .

قوله : { ولا تجد أكثرهم شاكرين } أي لا تجد أكثر بني آدم موحدين لك أو ذائعين لأمرك أو شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم . وذلك بسبب إغوائهم ، وإزلاقهم في الخطيئة والعصيان . ولقد قال ذلك إبليس على سبيل الظن ؛ لقوله تعالى في آية أخرى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } كذلك كان ظن إبليس في ابن آدم ؛ إذ يعلم مبلغه من الضعف . ضعف العزيمة والإرادة والاحتمال . ويعلم من فطرته المركوزة في عميق كيانه انه نزاع للشهوات فلا تهفو نفسه أو تصبو في الغالب إلا الرغائب الجسد من الطعام والشراب والزينة والاستمتاع والتلذذ بمختلف اللذائذ . وهو لا يضبطه دون الإسراف في ذلك ضابط مقتدر إلا أن يركن إلى عقله المتدبر البصير . ولا يتحقق ذلك إلا قليلا . فوازع العقل في معترك الملذات واستمتاع الأجساد بالغ الضعف والهوان في مقابلة الدوافع المتأججة للغرائز والشهوات . ومن هنا وجد إبليس ضالته في الاقتدار على إغواء الإنسان . أعاذنا الله من إغواء إبليس وجنوده عوذا .