سورة   الأعراف
 
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

قوله : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين }[ الأعراف :17 ] أخبر اللعين أن سَعَايَتَهُ تفعل ذلك ظَنًّا منه ، وتوسُّماً في خِلْقَةِ آدم حين رأى خِلْقَتَهُ من أشياء مختلفة ، فعلم أنه سَتَكُونُ لهم شِيَمٌ تقتضي طَاعَتَهُ ، كالغِلِّ ، والحَسَدِ ، والشهوات ، ونحو ذلك .

قال ابن عباس ، وقتادة : إلا أن إبليس لم يَقُلْ : إنه يأتي بني آدم من فَوْقِهِمْ ، ولا جعل اللَّه له سبيلاً ، إلى أن يَحُولَ بينهم وبين رحمة اللَّه وعفوه ومَنِّهِ ، وما ظنه إبليس صدقه اللَّه عز وجل .

ومنه قوله سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين } [ سبأ : 20 ] فجعل أكثر العَالَم كَفَرَةً ، ويُبَيِّنُهُ قوله صلى الله عليه وسلم في الصَّحيح : ( يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : يا آدَمُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ ، فيقول : يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ ، فيقول : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعمَائةً وتِسْعَةً وتَسْعِينَ إلى النَّارِ ، وواحداً إلى الجَنَّةَ ) ، ونحوه مما يخصُّ أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( ما أنتم في الأمم إلا كالشَّعرة البَيْضَاءِ في الثور الأَسْوَدِ ) ، و { شاكرين } معناه : مُؤْمنين ، لأن ابن آدم لا يَشْكُرُ نعمة اللَّه إلا بأن يُؤمن ، قاله ابن عباس وغيره .