فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

قوله : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ } ذكر الجهات الأربع ؛ لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوّه ، ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت ، وعدي الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن ، وإلى الآخريين بعن ، لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجهاً إلى ما يأتيه بكلية بدنه ، والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفاً ، فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء ، وفي الأخريين التعدية بحرف المجاوزة ، وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة . وقيل المراد : { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من دنياهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من آخرتهم { وَعَنْ أيمانهم } من جهة حسناتهم { وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } من جهة سيئاتهم ، واستحسنه النحاس . قوله : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين } أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين ، لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم ، وهذا قاله على الظنّ ، ومنه قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } . وقيل : إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله ، وعبر بالشكر عن الطاعة أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء .

/خ18