الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } الآية قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( ثم لآتينّهم ) من بين أيديهم يقول [ أشككهم ] في آخرتهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } [ أن يُقيم في كتابهم ] { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } اشتبه عليهم أمر دينهم { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [ أُشهّي ] لهم المعاصي .

روى عطيّة عن ابن عباس قال : أما بين أيديهم فمن قِبل دنياهم وأمّا من خلفهم [ فإنّه ] آخرتهم وأمّا من إيمانهم فمن قبل حسناتهم وأما عن شمائلهم فمن قبل سيئاتهم .

وقال قتادة : أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنّه لا يعذّب ولا جنّة ولا نار ، ومن خلفهم من أمر الدنيا فزيّنها لهم ودعاهم إليها ، وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم يزين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها ، إياك يا بن آدم من كل وجه غير أنّه لم يأتك من فوقك لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله .

وقال الحكم والسدّي { لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } : يعني الدنيا أدعوهم إليها وأُرغبهم فيها وأُزينها لهم . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبَل الآخرة أُشككهم و[ أثبطهم ] فيها . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من قبل الحق أصدهم عنه [ أبتلكم ] فيه ، وعن شمائلهم من قِبل الباطل أُخففه عليهم وأُزينه لهم وأُرغبهم فيه .

وقال مجاهد : من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون ، قال ابن جريج : معنى قوله : من حيث يبصرون أي يخطئون حيث يعلمون أنّهم يخطئون وحيث لا يبصرون لا يعلمون أنهم يخطئون .

وقال الكلبي : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من قِبل آخرتهم أخبرهم أنّه لا جنّة ولا نار ولا نشور . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبل دنياهم فأمرهم بجمع الأموال لا يعطون لها حقّاً [ وأُخوفهم الضيعة ] على ذرّيتهم .

{ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من قِبل دينهم [ فأُبيّن ] لكلّ قوم ما كانوا [ يعبدون ] وإن كانوا على هدى شبّهته عليهم حتّى أخرجتهم منه { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } من قِبل الشهوات واللذات فأُزيّنها لهم .

وقال شقيق بن إبراهيم : ما من صباح إلاّ وقعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ، أما من بين يدي فأقول : لا تحزن فإنّ الله غفور رحيم ، ويقول ذلك

{ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى } [ طه : 82 ] .

وأمّا من خلفي فتخوّفني الضيعة على عيالي ومحللي فأقول

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] .

وأما من قِبَل يميني فيأتيني من قبل [ الثناء ] فأقول والعاقبة للمتقين .

وأمّا من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات واللّذات فأقول

{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] .

{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }