السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } أي : من جميع الجهات الأربع ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة ربه ، وقيل : لم يقل من تحتهم لأنّ الإتيان منه يوحش ، وعنه إنه قال : من بين أيديهم من قبل الآخرة فيخبرهم أن لا بعث ولا جنة ولا نار ، ومن خلفهم من قبل الدنيا فيزينها ، لهم وعن أيمانهم أي : من قبل حسناتهم أي : فيبطئهم ، عنها ، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم أي : فيزين لهم المعاصي يدعوهم إليها . وإنما عدى الفعل إلى الأوّلين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم وإلى الآخرين بحرف المجاوزة فإنّ الآتي منهما كالمنحرف عنهم المارّ على عروضهم ونظيره قوله : جلست عن يمينه وعن شقيق ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربع مراصد من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي أمّا من بين يدي فيقول : لا تخف إنّ الله غفور رحيم فأقرأ { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } ( طه ، 82 ) ، وأمّا من خلفي فيخوفني الضيعة على من خلفي فأقرأ : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } ( هود ، 6 ) ، وأمّا من قبل يميني فيأتيني من قبل النساء فأقرأ : { والعاقبة للمتقين } ( القصص ، 83 ) ، وأمّا من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } ( سبأ ، 54 )

{ ولا تجد أكثرهم شاكرين } أي : مطيعين .

فإن قيل : كيف علم الخبيث ذلك ؟ أجيب : بأنه إنما قال ذلك ظناً لقوله تعالى : { ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه } ( سبأ ، 20 ) لما رأى فيهم مبدأ الشرّ متعدّداً وهو الشيطان والنفس والهوى ومبدأ الخير واحداً وهو الملك الملهم ، وقيل : سمع ذلك من الملائكة .