غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (3)

1

ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها الدلائل الأرضية فقال : { وهو الذي مد الأرض } قال الأصم : أي بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، وهذا الامتداد الظاهر لحس البصر لا ينافي كريتها لتباعد أطرافها { وجعل فيها رواسي } أي جبالاً ثوابت في أحيازها غير منتقلة عن أماكنها . وكيفية تكوّن الجبال على بسيط الأرض لا يعلم تفصيلها إلا موجدها . وزعمت الفلاسفة أنها من تأثير السموات في الأجزاء الأرضية القابلة لذلك الأثر بعد امتزاجها بالأجزاء المائية وغيرها ، وقد يعين على ذلك نزول الأمطار وهبوب الرياح وهذا إن صح فعلم إجمالي . وزعم بعضهم أن البحار كانت في جانب الشمال مدة كون حضيض الشمس هناك ، وحين انتقل الحضيض إلى الجنوب انجذبت المياه إلى ذلك الجانب لأن الشمس تصير في الحضيض أقرب إلى الأرض فتوجب شدة السخونة الجاذبة للرطوبات فصار الطين اللزج حجراً وحدثت الجبال والأغوار بحسب المواضع المرتفعة والمنخفضة وبإعانة من السموات والآثار العلوية . وبالجملة فالأسباب تنتهي لا محالة إلى مسبب لا سبب له وهو الله سبحانه . ومن الدلائل الدالة على وجود الصانع ووحدانيته جريان الأنهار العظيمة على وجه الأرض الكائنة فيها من احتباس الأبخرة ، وأكثر ذلك أنما يتكّون في الجبال فلذا قرن الجبال بالأنهار في القرآن كثيراً كقوله : { وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتاً } [ المرسلات : 27 ] وقد يحصل فيها معادن الفلزات ومواضع الجواهر ومكامن الأجسام المائعة من النفظ والقير والكبريت وغيرها ، وكل ذلك دليل على وجود فاعل مختار ومدبر قهار . ثم يحدث على الأرض بتربية المياه وتغذيتها أنواع النبات فلذلك قال : { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } وللمفسرين فيه قولان : الأول أنه حين مد الأرض خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجين ، ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوّعت فيكون كل زوجين بالنسبة إلى ذلك النوع كآدم وحواء بالإضافة إلى الإنسان . القول الثاني : إنه أراد بالزوجين الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك من الاختلاف الصنفي . ووصف الزوجين بالاثنين للتأكيد مثل نفخة واحدة . أما قوله : { يغشي الليل النهار } فقد مر تفسيره في " الأعراف " وإنما ذكر هذا الإنعام في أثناء الدلائل الأرضية لأن النور والظلمة إنما يحدثان في الجوّ الذي يسميه الحكماء كرة النسيم وكرة البحار وليس فيما وراء ذلك ضياء ولا ظلام . فتعاقب الليل والنهار من جملة الأحداث السفلية وإن كان سببها طلوع الشمس وغروبها في الأفق . ويحتمل أن يقال : إن هذا دليل سماوي وإنه سبحانه عاد مرة أخرى إلى الدليل السماوي ثم إلى الدليل الأرضي وذلك قوله : { وفي الأرض قطع متجاورات } .

/خ11