غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

1

ثم أخذ في تفصيل الحق فبدأ بالدلالة على صحة المبدأ والمعاد فقال :{ الله } وهو مبتدأ خبره { الذي } أو الموصول صفة المبتدأ ، وقوله : { يدبر الأمر يفصل الآيات } خبر بعد خبر . والعمد بفتحتين جمع عمود وهو ما يعمد به الشيء شبه الأسطوانة . وقوله : { ترونها } كلام مستأنف على سبيل الاستشهاد أي وأنتم ترونها مرفوعة بلا عماد . وقال الحسن : في الآية تقديم وتأخير تقديره رفع السموات ترونها مرفوعة بغير عمد وفيه تكلف . وقيل : ترونها صفة للعمد . ثم زعم من تمسك بالمفهوم أن للسموات عمدا لكنا لا نراها وما تلك العمد ؟ قال بعض الظاهريين : هي جبل من زبرجد محيط بالدنيا يمسى جبل قاف . ولا يخفى سقوط هذا القول لأن كل جسم لو كان يلزم أن يكون معتمداً على شيء فذلك الجبل أيضاً كان متعمداً على شيء فذلك الجبل أيضا كان معتمداً على شيء وتسلسل . وقال بعض من ترقى في حضيض الصورة إلى ذروة عالم المعقول : إن تلك العمد هي قدرة الله تعالى وحفظه الذي أوقفها في الجوّ العالي . ونحن لا نرى ذلك التدبير ولا نعرف كيفية ذلك الإمساك .

أما قوله : { كل يجري لأجل مسمى } فعن ابن عباس أن للشمس مائة وثمانين منزلاً في مائة وثمانين يوماً ، إنها تعود مرة أخرى إلى واحد واحد منها في أمثال تلك الأيام ومجموع تلك الأيام سنة تامة . أقول : إن صح عنه فلعله أراد تصاعدها في دائرة نصف النهار وتنازلها عنها في أيام السنة ، وأراد نزولها في فلكها الخارج المركز من الأوج إلى الحضيض ، ثم صعودها من الحضيض إلى الأوج فإن لها بحسب كل جزء من تلك الأجزاء في كل يوم من أيام السنة تعديلاً خاصاً زائداً أو ناقصاً كما برهن عليه أهل النجوم . وأما القمر فسيره في منازله مشهور . وقال سائر المفسرين : المراد كونهما متحركين إلى يوم القيامة وبعد ذلك تنقطع الحركات وتنتهي المسيرات كقوله : { وأجل مسمى عنده } [ الأنعام : 2 ] واللام للتاريخ كما تقول : كتبت لثلاث خلون . وإنما قال في سورة لقمان { إلى أجل مسمى } [ لقمان :29 ] موافقة لقبيل ذلك ومن يسلم وجهه إلى الله والقياس لله كما في قوله : { أسلمت وجهي لله } [ آل عمران : 20 ] { يدبر الأمر } إجمال بعد التفصيل أي أمر العالم العلوي والعالم السفلي من أعلى العرش إلى ما تحت الثرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن ، لأن تدبيره لعالم الأرواح كتدبيره لعالم الأشباح ، وتدبيره للكبير كتدبيره للصغير لا يختلف بالنسبة إلى قدرته أحوال شيء من ذلك في الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وتبديل الصور والأعراض وتغيير الأشكال والأوضاع { يفصل الآيات } الدالة على وحدانيته وقدرته ، ويحتمل أن يراد بتدبير الأمر تدبير عالم الملكوت ، ويكون معنى تفصيل الآيات إنزال الكتب وبعث الرسل وتكليف العباد الذي هو أثر ذلك العالم في العالم السفلي . ويجوز أن يكون تدبير الأمر إشارة إلى القضاء ، وتفضيل الآيات إشارة إلى القدر . وقوله : { لعلكم بلقاء ربكم توقنون } على كل التفاسير إشارة إلى إثبات المعاد لأن المقر بتدبيره وتقديره على الأنهاج المذكور لا بد أن يعترف باقتداره على الإعادة والجزاء .

/خ11