ولما قرر الشواهد العلوية . أردفها بذكر الدلائل السفلية على قدرته وحكمته . فقال تعالى :
/ [ 3 ] { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 3 } .
{ وهو الذي مد الأرض } أي بسطها وجعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض لإخراج النعم الكثيرة منها .
قال الشهاب : استدل به بعضهم على تسطيح الأرض وأنها غير كروية بالفعل . وأن من أثبته أراد به أنه مقتضى طبعها ! ورد بأنه ثبت كريتها بأدلة عقلية ، لكنه لعظم جرمها يشاهد كل قطعة وقطر منها كأنه مسطح ! وهكذا كل دائرة عظيمة . ولا يعلم كريتها إلا هو تعالى .
{ وجعل فيها رواسي } أي : جبالا ثوابت أوتادا لها يكثر فيها النبات وتنحفظ تحتها المياه { وأنهارا } متفجرة منها ، وذلك لتكثير النبات والأشجار وحفظ الحيوان { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } أي : صنفين اثنين كالحلو والحامض ، والأسود والأبيض ، والصغير والكبير ، والبستاني والجبلي . . .
قال المهايمي : ليفيد كل صنف فائدة غير فائدة الآخر ، فكان كل صنف نعمة بعد الإنعام بأصول الأصناف ، وجعل لإتمام الإنعام بالأصناف المختلفة الطبائع لئلا تجتمع فتضارّ متناولها فصولا مختلفة ، إذ .
{ يغشي الليل النهار } أي : يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا ! فبطول الليل يحصل الشتاء ، وبطول النهار يحصل الصيف ، وبأحد الاعتدالين يحصل الخريف ، وبالآخر الربيع { إن في ذلك } أي : في مد الأرض وما بعده { لآيات لقوم / يتفكرون } أي لآيات باهرة لقوم يتفكرون فيستدلون بأن تكوين ما ذكر على هذا النمط البديع لابد له من قادر حكيم ! أو يتفكرون فيعلمون أن تكثير النعم لجلب محبة المنعم بصرفها إلى ما خلقت من أجله . والمحبة موجبة للرجوع إليه . وفيه إشارة إلى أن من دبر ذلك لمعايشهم ، أفلا ينعم عليهم بإرسال رسل وإنزال كتب ترشدهم إلى ما فيه سعادتهم ؟ بلى ، وهو أحكم الحاكمين .
الأولى - قال الرازي : من الاستدلال بأحوال الجبال ، أن بسببها تتولد الأنهار على وجه الأرض . وذلك أن الحجر جسم صلب . فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك فلا تزال تتكامل فيحصل تحت الجبل مياة عظيمة . ثم إنها لكثرتها وقوتها تثقب وتخرج وتسيل على وجه الأرض . فمنفعة الجبال في تولد الأنهار هو من هذا الوجه ، ولهذا السبب . ففي أكثر الأمر أينما ذكر الله الجبال ، قرن بها ذكر الأنهار . مثل ما في هذه الآية ، ومثل قوله{[5047]} : { وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا } .
الثانية - أشار الرازي إلى أن الناس ، كما ابتدأوا من زوجين اثنين بالشخص ، هما آدم وحواء ، فكذا الأشجار والزروع خلقت أولا من زوجين اثنين ثم كثرت والله أعلم .
الثالثة - في قوله { يغشي الليل النهار } استعارة تبعية تمثيلية مبنية عل تشبيه إزالة نور الجوّ بالظلمة بتغطية الأشياء والظاهرة بالأغطية أي يستر النهار بالليل والتركيب وإن احتمل العكس أيضا بالحمل على تقديم المفعول الثاني على الأول - فإن ضوء النهار أيضا سائر لظلمة الليل ، إلا أن الأنسب بالليل أن يكون هو الغاشي . وعد هذا في تضاعيف الآيات السفلية ، وإن كان تعلقه بالآيات العلوية ظاهرا باعتبار أن ظهوره في الأرض / فإن الليل إنما هو ظلها . وفيما فوق موقع ظلها لا ليل أصلا . ولأن الليل والنهار لهما تعلق بالثمرات من حيث العقد والإنضاج ، على أنهما أيضا زوجان متقابلان مثلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.