غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

ثم بين بقوله { وما أرسلنا } الآية . أنه لا وجه لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام لأن هذه عادة مستمرة من الله في كل رسله . قال الزجاج : الجملة بعد " إلا " صفة لموصوف محذوف والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين : إلا آكلين وماشين . وإنما حذف لأن في قوله { من المرسلين } دليلاً عليه نظيره { وما منا إلا له مقام معلوم } [ الصافات : 164 ] أي وما منا أحد . وقال الفراء : المحذوف هو الموصول والتقدير : إلا من أنهم . وقال ابن الأنباري : المحذوف هو الواو بعد إلا فتكون الجملة حالاً كقوله { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم } [ الحجر : 4 ] قوله { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال الكلبي والفراء والزجاج : إن هذا في رؤساء المشركين كأبي جهل وغيره وفي فقراء الصحابة كأنه إذا رأى الشريف الوضيع وقد اسلم قبله أنف أن يسلم فأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه دليله قوله تعالى

{ لو كان خيراً ما سبقونا إليه } [ الأحقاف : 11 ] وعن ابن عباس والحسن أنه في أصحاب البلاء والعافية يقول أحدهم : لم لم أجعل مثله في الخلق والخلق والعلم والعقل والرزق والأجل وغير ذلك يؤيده ما روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم " ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم وويل للسلطان من الرعية وويل للرعية من السلطان وويل للشديد من الضعيف وللضعيف من الشديد بعضهم لبعض فتنة وقرأ هذه الآية " وقال آخرون : إنه احتجاج عليهم في اختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مع مساواته إياهم في البشرية وصفاتها فابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وبمناصبتهم لهم العداوة وأنواع الأذى ، وابتلى المرسل إليهم بالتكليف وبذل النفس والمال وصيرورتهم تابعين خادمين بعد أن كانوا متبوعين مخدومين . قالت الأشاعرة : في هذا الجعل إشارة إلى مذهبنا في القدر . وقال الجبائي : هذا الجعل بمعنى التعريف كما يقال فيمن بين أن فلاناً لص إنه جعله لصا . قال في الكشاف : موقع { أتصبرون } بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } [ الملك : 2 ] قلت : أراد أن كلاً من الابتلاء والفتنة يستدعي التمييز فيحسن الاستفهام بعده أي بفتنكم ليظهر أنكم تصبرون على البلاء أم لا ، ولعل الأظهر أن الاستفهام غير متعلق بالفتنة وإنما هو مستأنف للوعيد كقوله { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 91 ] ويؤيده قوله { وكان ربك بصيراً } عالماً بمن صبر ومن لا يصبر فيجازي كلاً منهم بحسب ذلك . وقيل : في الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما عيروه به من الفقر فقد جعل الأغنياء فتنة للفقراء . وقيل : جعلناك فتنة لهم حين بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله ، ولو كنت غنياً صاحب كنز كما اقترحوا لم يظهر الطائع من المخلص . وقالت الصوفية : أتصبرون يا معشر الأنبياء على ما يقولون ويا معشر الأمم عما يقولون والله أعلم .

/خ1