غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

1

{ قالوا سبحانك } تعجباً مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه وأنطقوا ب { سبحانك } ليدلوا على أنهم المسبحون المقدسون الموسومون بذلك فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده ؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له ملك أو نبي أو غيرهما نداً ، أو قصدوا تنزيهه من أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إيذاء من كان بريئاً من الجرم بل إنما سألهم تقريعاً للكفار وتوبيخاً لهم .

من قرأ { أن نتخذ } بفتح النون فظاهر وهو متعدٍ إلى واحد والأصل أن نتخذ أولياء من دونك فزيدت " من " لتأكيد معنى النفي . ومن قرأ بضم النون فهو متعدٍ إلى اثنين : الأول ضمير نحن ، والثاني من أولياء . ولا تكون " من " زائدة لأنها لا تزاد في المفعول الثاني تقول : ما اتخذت من أحد ولياً ولا تقول ما اتخذت أحداً من ولي ف " من " للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء . وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام ، والمعنى إنا لا نصلح لذلك فكيف ندعوهم إلى عبادتنا . وفي تفسير الآية على القراءة الأولى وجوه : الأول أن المعنى إذ كنا لا نرى أن نتخذ من دونك ولياً فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك ؟ الثاني : ما كان يصح لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار . قال تعالى { فقاتلوا أولياء الشيطان } [ النساء : 76 } يريد الكفرة عن أبي مسلم : الثالث تقدير مضاف محذوف أي ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء أي لما علمنا أنك لا ترضى بهذا ما فعلنا . أو قالت الملائكة : أنا وهم عبيد ولا ينبغي لعبيدك أن يدعوا من دون إذنك ولياً . الرابع قالت الأصنام : لا يصح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادّعاء أنا من المعبودين . وفي الآية دلالة على أنه لا تجوز الولاية والعداوة إلا بإذن الله ، والولاية المبنية على ميل النفس وشهوة الطبع مذمومة شرعاً . و { الذكر } ذكر الله والإيمان به أو القرآن والشرائع أو ما فيه حسن ذكرهم في الدنيا والآخرة . قالت المعتزلة : في قوله { ولكن متعتهم } الخ . دليل بيِّن على أن الله عز وجل لا يضل عباده على الحقيقة وإلا كان جواب العبيد أن يقولوا : بل أنت أضللتهم لا أن يقولوا بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وعلى آبائهم تفضل جواد كريم ، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشر سبب الكفر ونسيان الذكر . فالحصال أنهم ضلوا بأنفسهم لا بإضلالنا . وقالت الأشاعرة : بل فيه دلالة على أن الله تعالى هو المضل حقيقة كأنهم قالوا : إلهنا أنت الذي أعطيتهم جميع مطالبهم في الدنيا حتى استغرقوا في بحر الشهوات وأعرضوا عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك فإن هي إلا فتنتك . أما قوله { وكانوا قوماً بوراً } فالأكثرون على أن البور جمع بائر من البوار الهلاك كعائذ وعوذ وحائل وحول . وحكى الأخفش أنه اسم جمع يقال " رجل بور " أي فاسد هالك لا خير فيه " وامرأة بور " و " قوم بور " كما يقال " أنت بشر " و " أنتم بشر " . قالت المعتزلة : صاروا إلى الهلاك بسبب اختيارهم الضلال . وقالت الأشاعرة : أراد أنهم كانوا في اللوح المحفوظ من جملة الهالكين ولو قيل : إنه فعل بالكافر ما صار معه بحيث لا يمكنه ترك الكفر صح القول بالقدر أيضاً .

/خ1