مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (114)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه } موضع «من » رفع على الابتداء وهو استفهام و«أظلم » خبره والمعنى : أي أحد أظلم ؟ و«أن يذكر » ثاني مفعولي «منع » لأنك تقول منعته كذا { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالأيات } [ الإسراء : 59 ] . { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ } [ الكهف : 55 ] [ الإسراء : 94 ] . ويجوز أن يحذف حرف الجر مع «أن » أي من أن يذكر وأن تنصبه مفعولاً له بمعنى منعها كراهة أن يذكر وهو حكم عام لجنس مساجد الله وأن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم . والسبب فيه طرح النصارى في بيت المقدس الأذى ، ومنعهم الناس أن يصلوا فيه ، أو منع المشركين رسول الله أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية . وإنما قيل مساجد الله وكان المنع على مسجد واحد وهو بيت المقدس أو المسجد الحرام لأن الحكم ورد عاماً وإن كان السبب خاصاً كقوله تعالى : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] والمنزول فيه الأخنس بن شريق . { وسعى فِى خَرَابِهَا } بانقطاع الذكر والمراد ب «من » العموم كما أريد العموم بمساجد الله . { أولئك } المانعون { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا } أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله { إِلاَّ خَائِفِينَ } حال من الضمير في «يدخلوها » أي على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها . والمعنى : ما كان الحق إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم . رُوي أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكراً خيفة أن يقتل . وقال قتادة : لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا بولغ ضرباً . ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك " وقيل : معناه النهي عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه كقوله تعالى :

{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله } [ الأحزاب : 53 ] { لَهُمْ فِى الدنيا خِزْىٌ } قتل وسبي للحربي وذلة بضرب الجزية للذمي { وَلَهُمْ فِى الأخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي النار .