محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

[ 2 ] { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون 2 } .

يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بقدرته رفع السماوات ، أي خلقهن مرتفعات عن الأرض ارتفاعا لا ينال ولا يدرك مداه ! وقوله تعالى : { بغير عمد ترونها } أي أساطين . جمع عماد أو عمود . وقوله تعالى : { ترونها } إما استئناف للاستشهاد برؤيتهم السماوات كذلك ، كقول الشاعر : * أنا بلا سيف ولا رمح تراني * أو صفة ل { عمد } جيء بها إبهاما ، لأن لها عمدا غير مرئية ، وإليه ذهب كثير من السلف ، ورجح ابن كثير / الأول وأنها لا عمد لها ، قال : وهذا هو اللائق بالسياق والظاهر من قوله تعالى {[5040]} : { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } والأكمل أيضا في القدرة ! وقوله تعالى : { ثم استوى على العرش } تقدم تفسيره في سورة الأعراف ، وأنه يمر كما جاء في غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل . وقوله تعالى : { وسخر الشمس والقمر } أي ذلّلهما لما أراد منهما من نفع العالم السفلي . وقوله تعالى : { كل يجري لأجل مسمى } أي لغاية معينة ينقطع دونها سيره ، وهو قيام الساعة ، كقوله تعالى{[5041]} : { والشمس تجري لمستقر لها } وقد بين ذلك في قوله تعالى{[5042]} : { إذا الشمس كورت } { وإذا الكواكب انتثرت } {[5043]} والاقتصار على الشمس والقمر ، لأنهما أظهر الكواكب وأعظم من غيرهما . فتسخير غيرهما يكون بطريق الأولى . وقد جاء التصريح بتسخيرهما مع غيرهما في قوله تعالى{[5044]} : { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق والأمر } . وقوله تعالى : { يدبر الأمر } أي : أمر العالم العلوي والسفلي ويصرّفه ويقضيه بمشيئته وحكمته على أكمل الأحوال . لا يشغله شأن عن شأن وقوله تعالى : { يفصل الآيات } يعني الآيات الدالة على وحدته وقدرته ونعوته الجليلة . أي يبينها في كتبه المنزلة . وقوله تعالى : { لعلكم بلقاء ربكم توقنون } أي : لعلكم توقنون وتصدقون بأن هذا المدبر والمفصل ، لا بد لكم من المصير إليه ، بالبعث بعد الموت للجزاء ، فإن من تدبر حق التدبر ، أيقن أن من قدر على إبداع ما ذكر من الآيات العلوية ، قدر على الإعادة والجزاء !

/ لطائف

الأولى - جوز في قوله تعالى { الله الذي رفع السماوات } أن يكون الموصول خبرا ، وأن يكون صفة والخبر { يدبر الأمر } ورجّح في ( الكشف ) الأول بأن قوله : الآتي{[5045]} { وهو الذي مد الأرض } عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات . وفي المقابل الخبرية متعينة ، فكذا هذا ليتوافقا والجملة مقررة لقوله{[5046]} : { والذي أنزل إليك من ربك الحق } . وعدل من ضمير الرب إلى الجلالة لترشيح التقرير . كأنه قيل : كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق ؟ وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها . لاسيما وقد جعل صلة الموصول . وهذا أشد مناسبة للمقام ، من جعله وصفا مفيدا لتحقيق كونه مدبرا مفصلا ، مع التعظيم لشأنهما . والمقصود بالإفادة قوله : { لعلكم بلقاء ربكم توقنون } . فالمعنى أنه فعلها كلها لذلك .

الثانية - قال القاضي : قوله تعالى { رفع السماوات . . . الخ } دليل على وجود الصانع الحكيم ، فإن ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرمية ، واختصاصها بما يقتضي ذلك ، لا بد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني ، يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته ، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات .

الثالثة - { يدبر } و { يفصل } يقرآن بالياء والنون . وهما مستأنفان . أو الأول حال من ضمير { سخر } والثاني من ضمير { يدبر } أو كلاهما من ضمائر الأفعال المذكورة .


[5040]:[22 / الحج / 65].
[5041]:[36 / يس / 38].
[5042]:[81 / التكوير / 1].
[5043]:[82 / الانفطار / 2].
[5044]:[7 / الأعراف / 54].
[5045]:[13 الرعد / 3].
[5046]:[13 / الرعد / 1].