محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين 19 } .

{ أو كصيّب من السماء } تمثيل لحالهم إثر تمثيل ، ليعمّ البيان منها كل دقيق وجليل ، ويوفي حقها من التفظيع والتهويل . فإن تفنَّنهم في فنون الكفر والضلال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال . وكما يجب على البليغ في مظانّ الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصّل ويشبع .

و " الصيّب " السحاب ذو الصوْب . والصوب المطر . والمراد بالسماء : السحاب ، كما قال تعالى : { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } {[501]} . وهي في الأصل : كل ما علاك من سقف ونحوه .

/ { فيه ظلمات ورعد وبرق } التنوين في الكل للتفخيم والتهويل كأنه قيل : فيه ظلماتٌ داجية ، ورعدٌ قاصف ، وبرقٌ خاطف { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } الصاعقة : الصوت الشديد من الرعدة يسقط معها قطعة نار تنقدح من السحاب إذا اصطكَّت أجرامه لا تأتي على شيء إلا أحرقته { حذر } أي خوف { الموت } من سماعها { والله محيط بالكافرين } علما وقدرة فلا يفوتونه . والجملة اعتراضية منبّهة على أن ما صنعوا من سدّ الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئا ، فإن القدر لا يدافعه الحذر ، والحيل لا تردّ بأس الله عز وجل . وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيّب الإيذان بأن ما دهمهم من الأمور الهائلة المَحْكِيّة بسبب كفرهم ، فيُظهر استحقاقهم شدة الأمر عليهم ، على طريقة قوله تعالى : { أصابت حرث قوم ظلموا } {[502]} فإن الإهلاك الناشئ عن السخط أشد .


[501]:[56/ الواقعة/ 69].
[502]:[3/ آل عمران/ 117] ونصها: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون 117}.