محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة البقرة )

جميعها مدني بلا خلاف . وآيها مائتان وست وثمانون . وقد صح في فضلها عدة أخبار :

منها ما في ( مسند أحمد ) و( صحيح مسلم ) والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال{[1]} :

( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ) . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وروى ابن حبان في ( صحيحه ) عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن البقرة ، وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ، ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ) .

وروى مسلم عن أبي أُمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول{[2]} : ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ، اقرأوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فِرْقان من طير صوافَّ تحاجّان عن أصحابهما ، اقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة ) .

( وقوله الزهراوين : أي المنيرتين في الإعجاز أو في وفرة الأحكام والغياية : ما أظلك من فوقك . والفِرْق : القطعة من الشيء . والصواف : المصطفة . والبطلة : السحرة . ومعنى لا تستطيعها : لا تستطيع النفوذ في قارئها ، أو لا يمكنهم حفظها . والله أعلم ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ آلم 1 } .

اعلم أن للناس في هذا وما يجري مجراه من الفواتح مذهبين :

الأول أن هذا علم مستور ، وسر محجوب ، استأثر الله تبارك وتعالى به فهو من المتشابه . ولم يرتض هذا كثير من المحققين وقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله تعالى ما لا يكون مفهوما للخلق . واحتجوا بأدلة عقلية ونقلية ، بسطها العلامة الفخر .

( المذهب الثاني ) مذهب من فسرها ، وتكلم فيما يصح أن يكون مرادا منها ، وهو ما للجمهور . وفيه وجهان :

( الأول ) : وعليه الأكثر : إنها أسماء للسور .

( الثاني ) : أن يكون ورود الأسماء هكذا مسرودة على نمط التعديد : كالإيقاظ وقرع العصا لمن تُحُدِّيَ بالقرآن وبغرابة نظمه ؛ وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلوّ عليهم وقد عجزوا عنه عن آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ، ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ، ولم تظهر مَعْجزتهم عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة وهم أمراء الكلام ، وزعماء الحوار ، وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب ، والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز ، ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بزت بلاغة كل ناطق ، وشقت غبار كل سابق ، ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء ، ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء إلا لأنه ليس بكلام البشر ، وإنه كلام خالق القوى والقُدَر . قاله الزمخشري .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).