محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ} (2)

{ خلق الإنسان من علق } أي دم جامد وهي حالة الجنين في الأيام الأولى لخلقه ، وتخصيص خلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير ، وتفخيما لشأنه إذ هو أشرفها ، وإليه التنزيل ، وهو المأمور بالقراءة ، وإنما قال { علق } دون ( علقة ) كما في الآية الأخرى ، لرعاية الفواصل ؛ ولأن { الإنسان } مراد به الجنس ، فهو في معنى الجمع ، فلما جمع ما خلق منه ليطابقه وخص العلق دون غيره من التارات لأنه أدل على كمال القدر من المضغة مع استلزامه لما تقدمه ، ومع رعاية الفواصل .

قال الإمام : أي ومن كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا ، وهو الحي الناطق الذي يسوده بعلمه على سائر المخلوقات الأرضية ، ويسخرها لخدمته ، يقدر أن يجعل من الإنسان الكامل مثل النبي صلى الله عليه وسلم قارئا ، وإن لم يسبق له تعلم القراءة ، وجاء بهذه الآية بعد سابقتها ليزيد المعنى تأكيدا ، كأنه يقول لمن كرر القول( إنه ليس بقارىء ) : أيقن أنك قد صرت قارئا بإذن ربك الذي أوجد الكائنات ، وما القراءة إلا واحدة منها ، والذي أنشأ الإنسان خلقا كاملا من دم جامد لا شكل فيه ولا صورة ، وإنما القراءة صفة عارضة على ذلك الإنسان الكامل ، فهي أولى بسهولة الإيجاد ، ولما كانت القراءة من الملكات التي لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعوذ على ما جرت به العادة في الناس ، ناب تكرار الأمر الإلهي عن تكرار المقروء في تصييرها ملكة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلهذا كرر الأمر بقوله : { اقرأ وربك الأكرم } .