قوله تعالى : " أشحة عليكم " أي بخلاء عليكم ، أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل الله . قاله مجاهد وقتادة . وقيل : بالقتال معكم . وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم . وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها . قاله السدي . وانتصب على الحال . قال الزجاج : ونصبه عند الفراء من أربع جهات : إحداها : أن يكون على الذم ، ويجوز أن يكون عنده نصبا بمعنى يعوقون أشحة . ويجوز أن يكون التقدير : والقائلين أشحة . ويجوز عنده [ " ولا يأتون البأس إلا قليلا " أشحة ، أي أنهم يأتونه أشحة على الفقراء بالغنيمة ]{[12776]} . النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه " المعوقين " ولا " القائلين " ؛ لئلا يفرق بين الصلة والموصول . ابن الأنباري : " إلا قليلا " غير تام ؛ لأن " أشحة " متعلق بالأول ، فهو ينتصب من أربعة أوجه : أحدها : أن تنصبه على القطع من " المعوقين " كأنه قال : قد يعلم الله الذين يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين . ويجوز أن يكون منصوبا على القطع من " القائلين " أي وهم أشحة . ويجوز أن تنصبه على القطع مما في " يأتون " ، كأنه قال : ولا يأتون البأس إلا جبناء بخلاء . ويجوز أن تنصب " أشحة " على الذم . فمن هذا الوجه الرابع يحسن أن تقف على قوله : " إلا قليلا " . " أشحة عليكم " وقف حسن . ومثله " أشحة على الخير " حال من المضمر في " سلقوكم " وهو العامل فيه . " فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " وصفهم بالجبن ، وكذا سبيل الجبان ينظر يمينا وشمالا محددا بصره ، وربما غشي عليه . وفي " الخوف " وجهان : أحدهما : من قتال العدو إذا أقبل . قاله السدي . الثاني : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب . قاله ابن شجرة . " رأيتهم ينظرون إليك " خوفا من القتال على القول الأول . ومن النبّي صلى الله عليه وسلم على الثاني . " تدور أعينهم " لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة . وقيل : لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة . " فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد " وحكى الفراء " صلقوكم " بالصاد . وخطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا . وأصل الصلق الصوت ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة ) . قال الأعشى :
فيهم المجد والسماحة والنج *** دة فيهم والخاطب السَّلاق{[12777]}
قال قتادة : ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة ، يقولون : أعطنا أعطنا ، فإنا قد شهدنا معكم . فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم . قال النحاس : هذا قول حسن ؛ لأن بعده " أشحة على الخير " {[12778]} وقيل : المعنى بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم . وقال القتبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد السلق : الأذى . ومنه قول الشاعر :
ولقد سلقنا هوازنا *** بِنَواهلٍ حتى انحنينا
" أشحة على الخير " أي على الغنيمة . قاله يحيى بن سلام . وقيل : على المال أن ينفقوه في سبيل الله . قاله السّدي . " أولئك لم يؤمنوا " يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان ، والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر{[12779]} . " فأحبط الله أعمالهم " أي لم يثبتهم عليها ، إذا لم يقصدوا وجه الله تعالى بها . " وكان ذلك على الله يسيرا " يحتمل وجهين : أحدهما : وكان نفاقهم على الله هينا . الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هينا .
قوله : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } { أَشِحَّةً } منصوب على الحال . والشحّ معناه البخل . وهؤلاء المنافقون أشحة على المسلمين ، أي بخلاء عليهم ، فهم يضِنّون عليهم بكل شيء . فهم بخلاء عليهم في مشاركتهم في حفر الخندق ، وفي قتال المشركين ، وفي النفقة على الفقراء والمحاويج وغير ذلك من وجوه الخير .
قوله : { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } وهذا وصف كامل وحكيم لهؤلاء الجبناء الخائرين ، فإنهم إذ وقع القتال وحصل بسببه الخوف { رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } جملة فعلية في موضع نصب على الحال { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ } جملة فعلية ، حال بعد حال{[3710]} . أي لفرط خوف هؤلاء المنافقين وما غشيهم من شديد الفزع تدور أعينهم يمينا وشمالا كأنما سُلبت عقولهم فهم { كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أي تدور أعينهم دورانا كدوران عين الذي يُغشى عليه الموت . فحال هؤلاء الرعاديد ، إذا حضر القتال ووقع الخوف كحال الذي يغشاه الموت فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف .
قوله : { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } { سَلَقُوكُمْ } ، أي خاطبوكم بما تكرهون{[3711]} فإذا وقف القتال وانقطعت الحرب واطمأن المنافقون والذين في قلوبهم مرض عضوكم بألسنة ذَرِبة فأسمعوكم من الكلام ما يؤذيكم ، أو بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم . وقيل : بسطوا ألسنتهم فيكم عند قسمة الغنيمة قائلين : أعطنا ، أعطنا ؛ فإنا قد شهدنا معكم . فعند الغنيمة أشح قوما وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم .
قوله : { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر } { أَشِحَّةً } ، منصوب على الحال من الواو في { سلقوكم } {[3712]} أي أنهم أشحة على الغنيمة ، فهم يشاحون المسلمون عند القسمة . وقيل : أشحة على المال أن ينفقوه في سبيل الله . أو هم بخلاء في بذل الخير على اختلاف وجوهه .
قوله : { أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } أي هؤلاء الذين تبينت صفاتهم من الشح والجبن والخور وفساد القلب وتثبيط المسلمين { لَمْ يُؤْمِنُوا } أي لم تؤمن قلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان بما تنطقه أفواههم ؛ فهم بذلك كافرون { أَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } أي لم يجزهم الله عليها خيرا ، ولم يؤجروا عليها ؛ لأنهم منافقون لا يقصدون وجه الله .
قوله : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } يعني إحباط أعمالهم التي عملوها هين على الله{[3713]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.