الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (52)

قوله تعالى : { وَاصِباً } : حالٌ من " الدِّين " العاملُ فيها الاستقرارُ المتضمِّنُ الجارُّ الواقعَ خبراً . والواصِبُ : الدائم ، قال حسَّان :

غَيَّرَتْهُ الريحُ تَسْفِي بِهِ *** وهَزِيْمٌ رَعْدُهُ واصِبُ

[ وقال ] أبو الأسود :

لا أبتغيْ الحَمْدَ القليلَ بقاؤُه *** يوماً بِذَمِّ الدهرِ أَجْمَعَ واصِبا

والوَصِبُ : العليلُ لمداوَمَةِ السَّقَمِ له . وقيل : مِنَ الوَصَبِ وهو التَّعَبُ ، ويكون حينئذٍ على النَّسَب ، أي : ذا وَصَبٍ ؛ لأن الدينَ فيه تكاليفُ ومَشَاقُّ على العبادِ ، فهو كقوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . أضحى فؤادي به فاتِنا

أي : ذا فُتُوْن ، وقيل : الواصِبُ : الخالِصُ .

وقال ابن عطية : والواوُ في قوله : { وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ } عاطفةٌ على قولِه { إِلهٌ وَاحِدٌ } ، ويجوزُ أن تكونَ واوَ ابتداء " . قال الشيخ : " ولا يُقال واوُ ابتداءٍ إلا لواوِ الحال ، ولا تظهر هنا الحالُ " . قلت : وقد يُطْلِقون واوَ الابتداء ، ويريدون واوَ الاستئناف ، أي : التي لم يُقْصَدْ بها عطفٌ ولا تَشْريكٌ ، وقد نصُّوا على ذلك فقالوا : قد يُؤْتَى بالواو أولَ كلامٍ من غير قَصْدٍ إلى عَطفٍ . واسْتَدَلُّوا على ذلك بإتيانهم بها في أولِ قصائدِهم وأشعارِهم ، وهو كثيرٌ جداً . ومعنى قولِه " عاطفة على قوله { إِلهٌ وَاحِدٌ } ، أي : أنها عَطَفَتْ جملةً على مفرد ، فيجبُ تأويلُها بمفردٍ ؛ لأنها عَطَفَتْ على الخبرِ فيكونُ خبراً ، ويجوز على كونِها عاطفةً أن تكونَ عاطفةً على الجملة بأسرها ، وهي قوله { إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ } وكأنَّ ابنَ عطية قَصَدَ بواوِ الابتداءِ هذا ، فإنها استئنافيةٌ .