فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (52)

{ وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ ( 52 ) }

ثم لما قرر سبحانه وحدانيته ، وأنه الذي يجب أن يخص بالرهبة منه والرغبة إليه ، ذكر أن الكل في ملكه وتحت تصرفه فقال : { وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ملكا وخلقا وعبيدا ، والجملة مقررة لما تقدم في قوله : ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض الخ . . . . . . . . . . . وتقديم الخبر لإفادة الاختصاص ، والتفت فيه من التكلم إلى الغيبة ، والجملة معطوفة على قوله : إنما هو إله واحد ، أو على الخبر أو مستأنف .

{ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا } أي ثابتا واجبا دائما لا يزول . والدين هو الطاعة والإخلاص ، قال الفراء : واصبا معناه : دائما . وروي عنه أيضا : الواصب : الخالص ، والأول أولى ، ومنه قوله سبحانه : ولهم عذاب واصب : أي دائم .

وقال الزجاج : أي طاعته واجبة أبدا ، ففسر الواصب بالواجب ، وقال ابن قتيبة في تفسير الواصب : أي : ليس أحد يطاع إلا انقطع ذلك بزوال أو بهلكة ، غير الله تعالى ، فإن الطاعة تدوم له . فسر الواصب بالدائم ، وإذا دام الشيء دواما لا ينقطع ، فقد وجب وثبت ، يقال : وصب الشيء يصب وصوبا فهو واصب : إذا دام ، ووصب الرجل على الأمر : إذا واظب عليه .

وقيل : الوصب : التعب والإعياء ، أي : حب طاعة الله سبحانه وإن تعب العبد فيها ، وهو غير مناسب لما في الآية ، قال مجاهد : الدين : الإخلاص وواصبا : دائما ، وقال أبو صالح : يعني : لا إله إلا الله .

وعن ابن عباس : دائما : واجبا ، وفي البيضاوي : واصبا : لازما ، وقال الشهاب : الوصب : ورد في كلامهم بمعنى اللزوم والدوام ، وفي القاموس : وصب يصب : دام وثبت ، كأوصب ، وعلى الأمر : واظب وأحسن القيام عليه ، وفي المصباح : وصب الشيء وصوبا : دام ، ووصب الدين : وجب .

والاستفهام في قوله : { أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ } للتقريع والتوبيخ ، أو للتعجب والإنكار ، والفاء للتعقيب ، والمعنى : إذا كان الدين : أي الطاعة واجبا له دائما لا ينقطع ، كان المناسب لذلك تخصيص التقوى به وعدم إيقاعها لغيره ، فكيف يعقل أن يكون للإنسان رغبة أو رهبة في غير الله .