لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " اسم ملك لا أصل لملكه عند حدث ولا نسل له ، فعنه يرث . ملك لا يستظهر بجيش وعدد ، ولا يتعزز بقوم وعدد . ملك للخلق بأجمعهم – لكنه اختار قوما – لا لينتفع بهم – بل لنفعهم ، ورد آخرين وأذلهم بمنعهم ووضعهم .

قوله جل ذكره : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي } .

قال صلى الله عليه وسلم : " أعدى عدوِّك نَفْسُك التي بين جنبيك " وأوحى الله سبحانه إلى داود عليه السلام : " عادِ نَفْسَك فليس لي في المملكة مُناَزعٌ غيرها " . فَمَنْ عادَى نَفسَه فقد قام بحقِّ الله ، ومَنْ لم يعادِ نفسه لَحِقَتْه هذه الوصمة . وأصلُ الإيمانِ الموالاةُ والمعاداةُ في الله ومَنْ جَنَحَ إلى الخارجين عن دائرة الإسلام انحاز إلى جانبهم .

قوله جل ذكره : { وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَنَ يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ } .

أنا أعلم { بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من دقائقِ التصنُّع وخَفِيَّات الرياء .

{ وَمَا أَعْلَنتُمْ } من التزيُّن للناس .

{ بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من الاستسرار بالزَّلة ، { وَمَا أَعْلَنتُمْ } ، من الطاعة والبِرِّ .

{ بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من الخيانة { وَمَا أَعْلَنتُمْ } من الأمانة .

{ بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من الغِلِّ والغِشِّ للناس ، { وَمَآ أَعْلَنتُمْ } من الفضيحةِ للناس .

{ بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من ارتكاب المحظورات ، { وَمَآ أَعْلَنتُمْ } من الأمر بالمعروف .

{ بِمَا أَخْفَيْتُمْ } من تَرْكِ الحشمة مني وقلة المبالاة باطِّلاعي ، وما أعلنتم من تعليم الناسِ ووَعْظِهمْ .

{ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } فقد حاد عن طريق الدين ، ووَقَعَ في الكفر .