معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم :

قوله عز وجل : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } .

دخول الباء في : المودة ، وسقوطها سواء ، هذا بمنزلة قولك : أظن أنك قائم ، وأظن بأنك قائم ، وأريد بأن تذهب ، وأريد بأن تقوم . وقد قال الله جلَّ وعز :

{ ومَنْ يُرِدْ فيه بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ } فأدخل الباء ، والمعنى : ومن يرد فيه إلحادا .

أنشدني أبو الجراح :

فلما رجتْ بالشُّرب هزَّلها العصا *** شحيحٌ لهُ عند الإزاء نهيمُ

معناه : فلما رجت أن تشرب . ونزلت هذه السورة في حاطب بن أبي بلتعة ، لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو أهل مكة ، قدمت عليه امرأة من موالي بني المطلب ، فوصلها المسلمون ، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بن أبي بلتعة ، فقال : إني معطيك عشرة دنانير ، وكاسيك بردا على أن تبلغي أهل مكة كتابا ، فكتب معها ، ومضت تريد مكة ، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليهما وسلم بالخبر ، فأرسل عليًّا والزبير في إثرها ، فقال : إن دفَعَتْ إليكما الكتاب [ وإلا فاضربا ] [ 197/ا ] عنقها فلحقاها ، فقالت : تنحيا عني ، فإني أعلم أنكما لن تصدقاني حتى تفتشاني ، قال : فأخَذَت الكتاب ، فجعلته بين قرنين من قرونها ، ففتشاها ، فلم يريا شيئا ، فانصرفا راجعين ، فقال علي للزبير : ماذا صنعنا ؟ يخبرنا رسول الله أن معها كتابا ونصدقها ؟ فكرّا عليها ، فقالا : لتخرِجِنَّ كتابك أو لنضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب .

وكان فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة :

أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزوكم ، فخذوا حذركم مع أشياء كتب بها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاطب ، فأقرّ له ، وقال : حملني على ذلك أن أهلي بمكة وليس من أصحابك [ أحد ] إلا وله بمكة من يذب عن أهله ، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظوني في عيالي ، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابي ، وأن الله بالغ فيهم أمره ، فقال عمر بن الخطاب : دعني فأضرب عنقه ، قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : وما يدريك لعل الله قد نظر إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، قال الفراء : حدثني بهذا حِبان بإسناده .

وقوله : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } . مِن صلة الأولياء ، كقولك : لا تتخذنّه رجلا تلقى إليه كلّ ما عندك .

وقوله : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ } . إِن آمنتم ولإن آمنتم ، ثم قال عز وجل : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي } فلا تتخذونهم أولياء .