التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

سورة الممتحنة :

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسل وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } .

قال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار قال : حدثني الحسن بن محمد بن عليّ أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليذ يقول : سمعتُ عليا رضي الله عنه يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد قال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها . فذهبنا تعادى بنا خيلُنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب . فقالت : ما معي من كتاب ، فقلنا : لتُخرجنّ الكتاب أو لنُلقين الثياب . فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة ، يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت امرءا من قريش ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد صدقكم . فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه . فقال : " إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعلّ الله عز وجل اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . قال عمرو : ونزلت فيه : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } قال : لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو .

حدثنا عليّ قال : قيل لسفيان في هذا فنزلت : { لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء } الآية ؟ قال سفيان : هذا في حديث الناس حفظته من عمرو ، ما تركت منه حرفا ، وما أرى أحدا حفظه غيري .

( صحيح البخاري 8/502-ك التفسير- سورة الممتحنة ، ب( الآية )ح 4890 ) ، ومسلم( الصحيح 4/1941- 1942ح2494-ك فضائل الصحابة ، ب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة ) .

قال ابن كثير : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } يعني : المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم ، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء ، كما قال{ يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، وقال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } . . . وقوله : { يخرجون الرسول وإياكم } هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال : { أن تؤمنوا بالله ربكم } أي : لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين ، كقوله : { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } وكقوله : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } .