تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة : سورة الامتحان مدنية عددها ثلاث عشرة آية كوفية .

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالجهاد وعسكر ، وكعب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ، إن محمدا قد عسكر ، وما أراه ألا يريدكم فخذوا حذركم وأرسل بالكتاب مع سارة مولاة أبى عمرو بن صيفي بن هاشم وكانت قد جاءت من مكة إلى المدينة فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تبلغ كتابه أهل مكة وجاء جبريل ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الكتاب ، وأمر حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، والزبير بن العوام ، وقال لهما : إن أعطتكما الكتاب غفوا خليا سبيلها ، وإن أبت فاضربا عنقها ، فسارا حتى أدركا بالجحفة وسألاها عن الكتاب فحلقت ، ما معها كتاب ، وقالت : لأنا إلى خيركم أفقر مني إلى ذلك ، فتبحثاها ، فلم يجدا معها شيئا ، فقال الزبير لعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما أرجع بنا ، فإنا لا نرى معها شيئا .

فقال علي : والله لأضربن عنقها ، والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ، فقال الزبير : صدقت اضرب عنقها ، فسل علي سيفه ، فلما عرفت الجد منهما أخذت عليهما المواثيق ، لئن أعطيتكما الكتاب لا تقتلاني ، ولا تسبياني ، ولا ترداني إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولتخليان سبيلي فأعطياها المواثيق ، فاستخرجت الصحيفة من ذؤايتها ودفعتها فخليا سبيلها وأقبلا بالصحيفة فوضعاها في يدي رسول الله فقرأها ، فأرسل إلى حاطب بن أبي بلتعة ، فقال له : أتعرف هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، قال : فما حملك على أن تنذر بنا عدونا ؟ .

قال حاطب : اعف عني عفا الله عنك ، فوالذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ أسلمت ولا كذبتك منذ صدقتك ، ولا أبغضتك منذ أحببتك ، ولا واليتهم منذ هاديتهم ، وقد علمت أن كتابي لا ينفعهم ولا يضرك فاعذرني ، جعلني الله فداك فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع ماله وعشيرته غيري وكنت حليفا وليس من أنفس القوم ، وكان حلفائي قد هاجروا كلهم ، وكنت كثير المال والضيعة بمكة فخفت المشركين على مالي فكتبت إليهم لأتوسل بها وأتخذها عندهم مودة لأدفع عن مالي ، وقد علمت أن الله منزل بهم خزيه ونقمته وليس كتابي يغني عنهم شيئا ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد صدق فيما قال ، فأنزل الله تعالى عظة للمؤمنين أن يعودوا لمثل صنيع حاطب بن أبي بلتعة ، فقال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } يعني الصحيفة ،{ وقد كفروا بما جاءكم من الحق } يعني القرآن ،{ يخرجون الرسول } من مكة { وإياكم } قد أخرجوا من دياركم يعني من مكة { أن تؤمنوا } يعني بأن آمنتم { بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } فلا تلقوا إليهم بالمودة ،{ تسرون إليهم بالمودة } يعني بالصحيفة فيها النصيحة ،{ وأنا أعلم بما أخفيتم } يعني بما أسررتم في أنفسكم من المودة والولاية ،{ وما أعلنتم } لهم من الولاية ،{ ومن يفعله منكم } يعني ومن يسر بالمودة إلى الكفار { فقد ضل سواء السبيل } آية يقول فقد أخطأ قصد طريق الهدى ، وفي حاطب نزلت هذه الآية :{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } [ المجادلة :22 ] إلى آخر الآية .

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي قال : حدثنا الهذيل عن المسيب ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : أقبلت سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف من مكة إلى المدينة المنورة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مالك ، يا سارة ؟ أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال أفمهاجرة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما حاجتك ؟ قالت : كنتم الأصل والموالي والعشيرة وقد ذهب موالي ، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتكسوني وتنفقوا علي وتحملوني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" فأين أنت من شباب أهل مكة" ، وكانت امرأة مغنية نائحة ، فقالت : يا محمد ، ما كلب أحد منهم شيئا منذ كانت وقعة بدر ، قال فحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني هاشم فكسوها وأعطوها نفقة وحملوها ، فلما أرادت الخروج إلى مكة أتاها حاطب بن أبي بلتعة من أهل اليمن حليف للزبير بن العوام فجعل لها جعلا على أن تبلغ كتابه إلى آخر الحديث .