في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

على أن الدين في أصله واضح والعقيدة في ذاتها بسيطة :

( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )وهذه هي قاعدة دين الله على الإطلاق :

عبادة الله وحده ، وإخلاص الدين له ، والميل عن الشرك وأهله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة : ( وذلك دين القيمة ) . . عقيدة خالصة في الضمير ، وعبادة لله ، تترجم عن هذه العقيدة ، وإنفاق للمال في سبيل الله ، وهو الزكاة . . فمن حقق هذه القواعد ، فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب ، وكما هو في دين الله على الإطلاق . دين واحد . وعقيدة واحدة ، تتوالى بها الرسالات ، ويتوافى عليها الرسل . . دين لا غموض فيه ولا تعقيد . وعقيدة لا تدعو إلى تفرق ولا خلاف ، وهي بهذه النصاعة ، وبهذه البساطة ، وبهذا التيسير . فأين هذا من تلك التصورات المعقدة ، وذلك الجدل الكثير ?

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

وقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا والمراد بالأمر مطلق التكليف ومتعلقه محذوف واللام للتعليل والكلام في تعليل أفعاله تعالى شهير والاستثناء مفرغ من أعم العلل أي والحال أنهم ما كلفوا في كتابهم بما كلفوا به لشيء من الأشياء إلا لأجل عبادة الله تعالى وقال الفراء العرب تجعل اللام موضع أن في الأمر ك { أمرنا لنسلم } [ الأنعام : 71 ] وكذا في الإرادة ك { يريد الله ليبين لكم } [ النساء : 26 ] فهي هنا بمعنى أن أي إلا بأن يعبدوا الله وأيد بقراءة عبد الله إلا أن يعبدوا فيكون عبادة الله تعالى هي المأمور بها والأمر على ظاهره والأول هو الأظهر وعليه قال علم الهدى أبو منصور الماتريدي هذه الآية علم منها معنى قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أي إلا لأمرهم بالعبادة فيعلم المطيع من العاصي وهو كما قال الشهاب كلام حسن دقيق { مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } أي جاعلين دينهم خالصاً له تعالى فلا يشركون به عز وجل فالدين مفعول لمخلصين وجوز أن يكون نصباً على إسقاط الخافض ومفعول مخلصين محذوف أي جاعلين أنفسهم خالصة له تعالى في الدين وقرأ الحسن مخلصين بفتح اللام وحينئذٍ يتعين هذا الوجه في الدين ولا يتسنى الأول نعم جوز أن يكون نصباً على المصدر والعامل ليعبدوا أي ليدينوا الله تعالى بالعبادة الدين { حُنَفَاء } أي مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام وفيه من تأكيد الإخلاص ما فيه فالحنف الميل إلى الاستقامة وسمي مائل الرجل إلى الاعوجاج أحنف للتفاؤل أو مجاز مرسل بمرتبتين وعن ابن عباس تفسير حنفاء هنا بحجاجا وعن قتادة بمخنتنين محرمين لنكاح الأم والمحارم وعن أبي قلابة بمؤمنين بجميع الرسل عليهم السلام وعن مجاهد بمتبعين دين إبراهيم عليه السلام وعن الربيع بن أنس بمستقبلين القبلة بالصلاة وعن بعض بجامعين كل الدين وحال الأقوال لا يخفى { وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكواة } إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة فالأمر بهما ظاهر وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في كتابهم أن أمرهم باتباع شريعتنا أمر لهم بجميع أحكامها التي هما من جملتها { وَذَلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من عباد الله تعالى بالإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما فيه من البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف { دِينُ القيمة } أي الكتب القيمة فأل للعهد إشارة إلى ما تقدم في قوله تعالى : { فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ } [ البينة : 3 ] وإليه ذهب محمد بن الأشعث الطالقاني وقال الزجاج أي الأمة القيمة أي المستقيمة وقال غير واحد أي الملة القيمة والتغاير الاعتباري بين الدين والملة يصحح الإضافة وبعضهم لم يقدر موصوفاً ويجعل القيمة بمعنى الملة وقيل أي الحجج القيمة وقرأ عبد الله رضي الله تعالى عنه الدين القيمة فقيل التأنيث على تأويل الدين بالملة وقيل الهاء للمبالغة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله عز وجل :{ وما أمروا } يقول : ما أمرهم محمد صلى الله عليه وسلم { إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } يعني به التوحيد { حنفاء } يعني مسلمين غير مشركين { و } أمرهم أن { ويقيموا الصلاة } الخمس المكتوبة { ويؤتوا الزكاة } المفروضة { وذلك دين القيمة } يعني الملة المستقيمة ....

تفسير الشافعي 204 هـ :

قال الشافعي : فأبان الله عز وجل أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة . ( الأم : 2/3 . )...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره : وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين ، يقول : مفردين له الطاعة ، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك ، فأشركت اليهود بربها بقولهم : إن عُزَيرا ابن الله ، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك ، وجحودهم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ... وقوله : { وَذَلكَ دِينُ الْقَيّمَةِ } يعني أن هذا الذي ذكر أنه أمر به هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، هو الدين القيّمة ، ويعني بالقيّمة : المستقيمة العادلة ، وأضيف الدين إلى القيّمة ، والدين هو القَيّم ، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما . ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي ما أمر أوائلهم وأواخرهم في تلك الكتب إلا ليعبدوا الله تعالى ، ولا يعبدوا من دونه ، أو ما أمروا إلا ليعبدوا الله تعالى ، ولا يعبدوا من دونه، أو ما أمروا إلا ليجعلوا الألوهية لله والوحدانية له ....{ مخلصين له الدين } :.. أن يخلص له الدين ، ويصفى ، لا يشرك فيه غيره ، ويكون من خلوص وصفاء ...{ حنفاء } قال أهل التأويل : المسلمون ، وقال بعضهم : حنفاء متبعين ، والحنف الميل ، كأنه قال : مائلين إلى الإسلام... { وذلك دين القيمة } والدين مذكر ، والقيمة مؤنث ، فجائز أن يكون الذي ذكر ، هو الملة ، ويحتمل دين الأمة القيمة ، وهو قول الزجاج ، أو يقول : ذلك الدين قومته الحجج ، والبراهين أضيفت إلى الحجج . وجائز أن يكون ذكر القيمة على التسوية بين ما سبق ، وتقدم من أواخر الآي من قوله تعالى : { حتى تأتيهم البينة } وقوله : { مطهرة } وقوله { وكتب قيمة } تسوية بين ما تقدم وما تأخر من قوله : { خير البرية } وقوله : { شر البرية } .... { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وجهان : أحدهما : تحذير لهذه الأمة لئلا يتفرقوا كما تفرق أولئك في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ما جاء به . والثاني : يكونون دائما فزعين إلى الله تعالى في كل وقت ، خائفين منه ....

جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :

والإخلاص : النية في التقرب إليه ، والقصد بأداء ما افترض على المؤمن ....

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الإخلاصُ تصفيةُ العملِ من الخَلَلِ . ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ وما أمروا } وجهان :

( أحدهما ) أن يكون المراد : { وما أمروا } في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي ، فيكون المراد أنهم كانوا مأمورين بذلك إلا أنه تعالى لما أتبعه بقوله : { وذلك دين القيمة } علمنا أن ذلك الحكم كما أنه كان مشروعا في حقهم فهو مشروع في حقنا. ( وثانيها ) أن يكون المراد : وما أمر أهل الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الأشياء ، وهذا أولى لثلاثة أوجه :

( أحدها ) أن الآية على هذا التقدير تفيد شرعا جديدا وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى.

( وثانيها ) : وهو أن ذكر محمد عليه السلام قد مر ههنا وهو قوله : { حتى تأتيهم البينة } وذكر سائر الأنبياء عليهم السلام لم يتقدم.

( وثالثها ) : أنه تعالى ختم الآية بقوله : { وذلك دين القيمة } فحكم بكون ما هو متعلق هذه الآية دينا قيما فوجب أن يكون شرعا في حقنا سواء قلنا : بأنه شرع من قبلنا أو شرع جديد يكون هذا بيانا لشرع محمد عليه الصلاة والسلام وهذا قول مقاتل . .... { وذلك } المجموع كله هو { دين القيمة } أي البينة المستقيمة المعتدلة ، فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذا هو المجموع دين واحد ....لأن القرآن هو القيم بالإرشاد إلى الحق ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

على أن الدين في أصله واضح والعقيدة في ذاتها بسيطة :

( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )وهذه هي قاعدة دين الله على الإطلاق :

عبادة الله وحده ، وإخلاص الدين له ، والميل عن الشرك وأهله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة : ( وذلك دين القيمة ) . . عقيدة خالصة في الضمير ، وعبادة لله ، تترجم عن هذه العقيدة ، وإنفاق للمال في سبيل الله ، وهو الزكاة . . فمن حقق هذه القواعد ، فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب ، وكما هو في دين الله على الإطلاق . دين واحد . وعقيدة واحدة ، تتوالى بها الرسالات ، ويتوافى عليها الرسل . . دين لا غموض فيه ولا تعقيد . وعقيدة لا تدعو إلى تفرق ولا خلاف ، وهي بهذه النصاعة ، وبهذه البساطة ، وبهذا التيسير . فأين هذا من تلك التصورات المعقدة ، وذلك الجدل الكثير ?

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا إبطال ثالث لتنصلهم من متابعة الإِسلام بعلة أنهم لا يتركون ما هم عليه حتى تأتيهم البينة وزعمهم أن البينة لم تأتهم .

وهو إبطال بطريق القول بالموجَب في الجدل ، أي إذا سلمنا أنكم مُوصَوْن بالتمسك بما أنتم عليه لا تنفكون عنه حتى تأتيكم البينة ، فليس في الإِسلام ما ينافي ما جاء به كتابكم لأن كتابكم يأمر بما أمر به القرآن ، وهو عبادة الله وحده دون إشراك ، وذلك هو الحنيفية وهي دين إبراهيم الذي أخذ عليهم العهد به ، فذلك دين الإِسلام وذلك ما أمرتم به في دينكم ...

والتعبير بالفعل المسند للمجهول مفيد معنيين ، أي ما أمروا في كتابهم إلا بما جاء به الإِسلام . فالمعنى : وما أمروا في التوراة والإِنجيل إلا أن يعبدوا الله مخلصين إلى آخره . فإن التوراة أكدت على اليهود تجنب عبادة الأصنام ، وأمرت بالصلاة ، وأمرت بالزكاة أمراً مؤكداً مكرراً . h وتلك هي أصول دين الإِسلام قبل أن يفرض صَوم رمضان والحج ، والإِنجيل لم يخالف التوراة أو المعنى وما أمروا في الإِسلام إلا بمثل ما أمرهم به كتابهم ، فلا معذرة لهم في الإِعراض عن الإِسلام على كلا التقديرين .

ونائب فاعل {أمروا} محذوف للعموم ، أي ما أمروا بشيء إلا بأن يعبدوا الله .

واللام في قوله : { ليعبدوا اللَّه } هي اللام التي تكثر زيادتها بعد فعل الإِرادة وفعل الأمر وتقدم ذكرها عند قوله تعالى : { يريد اللَّه ليبين لكم } في سورة النساء ( 26 ) وقوله : { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } في سورة الأنعام ( 71 ) ، وسماها بعض النحاة لام ( أنْ ) .

والإخلاص : التصفية والإِنقاء ، أي غير مشاركين في عبادته معه غيره .

والدين : الطاعة قال تعالى : {قل اللَّه أعبد مخلصاً له ديني} [الزمر : 14] .

وحنفاء : جمع حنيف ، وهو لقب للذي يؤمن بالله وحده دون شريك قال تعالى : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } [ الأنعام : 161 ] .

وهذا الوصف تأكيد لمعنى : { مخلصين له الدين } مع التذكير بأن ذلك هو دين إبراهيم عليه السلام الذي ملئت التوراة بتمجيده واتباع هديه .

وإقامة الصلاة من أصول شريعة التوراة كلَّ صباح ومساء .

وإيتاء الزكاة : مفروض في التوراة فرضاً مؤكداً ...

و { دين القيمة } يجوز أن تكون إضافته على بابها فتكون { القيمة } مراداً به غير المراد بدين مما هو مؤنث اللفظ مما يضاف إليه دين أي دين الأمة القيّمة أو دين الكُتُب القَيمة . ويرجّح هذا التقدير أن دليل المقدَّر موجود في اللفظ قبله . وهذا إلزام لهم بأحقية الإِسلام وأنه الدين القيم قال تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة } [ الروم : 30 -31 ] .

ويجوز أن تكون الإِضافة صورية من إضافة الموصوف إلى الصفة وهي كثيرة الاستعمال ، وأصله الدين القيم ، فأنث الوصف على تأويل دين بملة أو شريعة ، أو على أن التاء للمبالغة في الوصف مثل تاء علاّمة والمآل واحد ، وعلى كلا التقديرين فالمراد بدين القيمة دين الإِسلام .

والقيمة : الشديدة الاستقامة وقد تقدم آنفاً .

فالمعنى : وذلك المذكور هو دين أهل الحق من الأنبياء وصالحي الأمم وهو عين ما جاء به الإِسلام قال تعالى في إبراهيم : { ولكن كان حنيفاً مسلماً } [ آل عمران : 67 ] وقال عنه وعن إسماعيل : { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [ البقرة : 128 ] . وحكى عنه وعن يعقوب قولهما : { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] وقال سليمان : { وكنا مسلمين } [ النمل : 42 ] .

وقد مضى القول في ذلك عند قوله تعالى : { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } في سورة البقرة ( 132 ) .

والإِشارة بذلك إلى الذي أمروا به أي مجموع ما ذكر هو دين الإِسلام ، أي هو الذي دعاهم إليه الإِسلام فحسبوه نقضاً لدينهم ، فيكون مهيع الآية مثل قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أَلاَّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } [ آل عمران : 64 ] وقوله : { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا باللَّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } [ المائدة : 59 ] .

والمقصود إقامة الحجة على أهل الكتاب وعلى المشركين تبعاً لهم بأنهم أعرضوا عما هم يتطلبونه فإنهم جميعاً مقرّون بأن الحنيفية هي الحق الذي أقيمت عليه الموسوية والعيسوية ، والمشركون يزعمون أنهم يطلبون الحنيفية ويأخذون بما أدركوه من بقاياها ويزعمون أن اليهودية والنصرانية تحريف للحنيفية ، فلذلك كان عامة العرب غير متهودين ولا متنصرين ويتمسكون بما وجدوا آباءهم متمسكين به وقلّ منهم من تهودوا أو تنصروا ، وذهب نفر منهم يتطلبون آثار الحنيفية مثل زيد بن عمرو بن نُفَيْل ، وأميَّة بن أبي الصَّلْت .

وخصّ الضمير ب« أهل الكتاب » لأن المشركين لم يؤمروا بذلك قبل الإِسلام قال تعالى : { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } [ القصص : 46 ] .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } فهذا هو عنوان الكتاب كله ، والدين كله ، وهو خلاصة الرسالات ، أن يعبد الناس الله عبادةً يخلصون فيها للدين الذي فرضه ....ويوحّدونه في ذلك كله ، { حُنَفَآءَ } مائلين عن خط الباطل إلى خط الاعتدال والتوازن .... { وَيُقِيمُواْ الصَّلاةَ } التي تعبّر عن إخلاص القلب والروح والوجه واللسان والكيان كله لله وحده ، { وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ } كتعبيرٍ عن روحية العطاء المفتوح على كل حاجات الناس ....{ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ } أي الكتب القيّمة أو الشريعة القيّمة ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قيل في معنى «وما أُمروا . . . » : إن المقصود هو : إنّ التوحيد والصلاة والزكاة من المسائل الثابتة في دين أهل الكتاب ، لكنّهم لم يبقوا أوفياء لهذه التعاليم . وقيل : المقصود هو إنّ دين الإسلام ليس فيه سوى التوحيد الخالص والصلاة والزكاة وأمثالها من التعاليم . وهذه أمور معروفة فلماذا يعرضون عنها ؟ . يبدو أنّ المعنى الثّاني أقرب ؛ لأنّ الآية السابقة تتحدث عن الاختلاف في قبول الدين الجديد ، والمناسب هنا أن يكون المراد في «أمروا . . . » هو الدين الجديد أيضاً . ... جملة { وذلك دين القيمة } إشارة إلى أنّ الأصول المذكورة في الآية وهي : التوحيد الخالص ، والصلاة ( الارتباط باللّه ) ، والزكاة ( الارتباط بالنّاس ) ، من الأصول الثابتة الخالدة في جميع الأديان ؛ بل إنّها قائمة في أعماق فطرة الإنسان . ذلك لأنّ مصير الإنسان يرتبط بالتوحيد ، وفطرته تدعوه إلى معرفة المنعم وشكره ، ثمّ إنّ الروح الاجتماعية المدنية للإنسان تدعوه إلى مساعدة المحرومين . من هنا ، هذه التعاليم لها جذور في أعماق الفطرة ، وهي لذلك كانت في تعاليم كلّ الأنبياء السابقين وتعاليم خاتم النبيين( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ...