في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

16

( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ، فطال عليهم الأمد ، فقست قلوبهم ، وكثير منهم فاسقون ، اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها . قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) . .

إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم ؛ واستبطاء للإستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله ؛ فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها ، ونزل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور ؛ وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصر ويحذر .

عتاب فيه الود ، وفيه الحض ، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله ، والخشوع لذكره ، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام ، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال :

( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? ) . .

وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة ، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء ، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله ، وحين لا تخشع للحق :

( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ، فطال عليهم الأمد ، فقست قلوبهم ، وكثير منهم فاسقون ) . .

وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج .

إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان . وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ، ويرف كالشعاع ؛ فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا ، وانطمست إشراقته ، وأظلم وأعتم ! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ؛ ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ألم يأت وقته يقال أني الأمر يأني أنيا وأنا إذا جاء إناه وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت وما نزل من الحق أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله وقرأ نافع وحفص ويعقوب نزل بالتخفيف وقرئ أنزل ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل عطف على تخشع وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وقرئ الأمد وهو الوقت الأطول وكثير منهم فاسقون خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة .