ومن ثم اندفع داود يقضي على إثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة ؛ ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثاً ، ولم يطلب إليه بياناً ، ولم يسمع له حجة . ولكنه مضى يحكم : قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه . وإن كثيراً من الخلطاء - [ أي الأقوياء المخالطين بعضهم لبعض ] - ليبغي بعضهم على بعض . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم . .
ويبدو أنه عند هذه المرحلة اختفى عنه الرجلان : فقد كانا ملكين جاءا للامتحان ! امتحان النبي الملك الذي ولاه الله أمر الناس ، ليقضي بينهم بالحق والعدل ، وليتبين الحق قبل إصدار الحكم . وقد اختارا أن يعرضا عليه القضية في صورة صارخة مثيرة . . ولكن القاضي عليه ألا يستثار ، وعليه ألا يتعجل . وعليه ألا يأخذ بظاهر قول واحد . قبل أن يمنح الآخر فرصة للإدلاء بقوله وحجته ؛ فقد يتغير وجه المسألة كله ، أو بعضه ، وينكشف أن ذلك الظاهر كان خادعاً أو كاذباً أو ناقصاً !
عند هذا تنبه داود إلى أنه الابتلاء :
وهنا أدركته طبيعته . . إنه أواب . . ( فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب ) . .
{ قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } سؤال مصدر مضاف إلى المفعول ، وإنما تعدى بإلى لأنه تضمن معنى الإضافة كأنه قال بسؤال نعجتك مضافة أو مضمومة إلى نعاجه ، فإن قيل : كيف قال له داود لقد ظلمك قبل أن يثبت عنده ذلك فالجواب : أنه روي : أن الآخر اعترف بذلك وحذف ذكر اعترافه اختصارا ، ويحتمل أن يكون قوله : { لقد ظلمك } على تقدير صحة قوله ، وقد قيل : إن قوله : لأحد الخصمين لقد ظلمك قبل أن يسمع حجة الآخر كانت خطيئته التي استغفر منها وأناب .
{ وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض } { الخلطاء } هم الشركاء في الأموال ، ولكن الخلطة أعم من الشركة . ألا ترى أن الخلطة في المواشي ليست بشركة في رقابها ، وقصد داود بهذا الكلام الوعظ للخصم الذي بقي ، والتسلية بالتأسي للخصم الذي بقي عليه .
{ وقليل ما هم } ما زائدة للتأكيد .
{ وظن داود أنما فتناه } ظن هنا بمعنى شعر بالأمر ، وقيل : بمعنى أيقن ، وفتناه معناه اختبرناه .
{ وخر راكعا وأناب } معنى خر ألقى بنفسه إلى الأرض ، وإنما حقيقة ذلك في السجود ، فقيل : إن الركوع هنا بمعنى السجود ، وقيل : خر من ركوعه ساجدا بعد أن ركع ، ومعنى أناب تاب ، وروي : أنه بقي ساجدا أربعين يوما يبكي حتى نبت البقل من دموعه ، وهذا الموضع فيه سجدة عند مالك خلافا للشافعي ، إلا أنه اختلف في مذهب مالك هل يسجد عند قوله وأناب ، أو عند قوله : { وحسن مآب }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.