في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

والأدب الثاني هو أدبهم مع نبيهم في الحديث والخطاب ؛ وتوقيرهم له في قلوبهم ، توقيرا ينعكس على نبراتهم وأصواتهم ؛ ويميز شخص رسول الله بينهم ، ويميز مجلسه فيهم ؛ والله يدعوهم إليه بذلك النداء الحبيب ؛ ويحذرهم من مخالفة ذلك التحذير الرهيب :

( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) . .

يا أيها الذين آمنوا . . ليوقروا النبي الذي دعاهم إلى الإيمان . . أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . . ليحذروا هذا المزلق الذي قد ينتهي بهم إلى حبوط أعمالهم ، وهم غير شاعرين ولا عالمين ، ليتقوه !

ولقد عمل في نفوسهم ذلك النداء الحبيب ، وهذا التحذير المرهوب ، عمله العميق الشديد :

قال البخاري : حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة . قال : كاد الخيران أن يهلكا . . أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . . رفعا أصواتهما عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حين قدم عليه ركب بني تميم " في السنة التاسعة من الهجرة " فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس - رضي الله عنه - أخي بني مجاشع " أي ليؤمره عليهم " وأشار الآخر برجل آخر . قال نافع : لا أحفظ اسمه " في رواية أخرى أن اسمه القعقاع بن معبد " فقال : أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما - ما أردت إلا خلافي . فقال : ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك . فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) . قال ابن الزبير - رضي الله عنه - : فما كان عمر - رضي الله عنه - يسمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد هذه الآية حتى يستفهمه ! وروي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال لما نزلت هذه الآية : قلت : يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا كأخي السرار " يعني كالهمس ! " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : لما نزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله : وأنتم لا تشعرون وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت . فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنا من أهل النار . حبط عملي . وجلس في أهله حزينا . ففقده رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فانطلق بعض القوم إليه ، فقالوا له : تفقدك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مالك ? قال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأجهر له بالقول . حبط عملي . أنا من أهل النار . فأتوا النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأخبروه بما قال . فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا . بل هو من أهل الجنة " . قال أنس - رضي الله عنه - : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة .

فهكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب ، وذلك التحذير الرعيب ؛ وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون . ولو كانوا يشعرون لتداركوا أمرهم ! ولكن هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم ، فخافوه واتقوه !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } : هذا أدب ثان أدب الله به المؤمنين ألا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم [ فوق صوته ]{[27022]} . وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما .

وقال البخاري : حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال : كاد الخيِّران أن يهلكا ، أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر - قال نافع : لا أحفظ اسمه - فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي . قال : ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } الآية ، قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه ، ولم يذكر ذلك عن أبيه : يعني أبا بكر رضي الله عنه . انفرد به دون مسلم{[27023]} .

ثم قال البخاري : حدثنا حسن بن محمد ، حدثنا حَجَّاج ، عن ابن جُرَيْج ، حدثني ابن أبي مليكة : أن عبد الله بن الزبير أخبره : أنه قَدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أمرّ القعقاعَ بن مَعْبد . وقال عمر : بل أمرّ الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلى - أو : إلا - خلافي . فقال عمر : ما أردتُ خلافَك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، حتى انقضت الآية ، { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ } الآية [ الحجرات : 5 ] .

وهكذا رواه هاهنا منفردا به أيضا{[27024]} .

وقال{[27025]} الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا حصين بن عُمَر ، عن مُخَارق ، عن طارق بن شهاب ، عن أبى بكر الصديق قال : لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } ، قلت : يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا كأخي السّرار{[27026]} .

حصين بن عمر هذا - وإن كان ضعيفًا - لكن قد رويناه من حديث عبد الرحمن بن عوف ، وأبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[27027]} بنحو ذلك ، والله أعلم{[27028]} .

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا أزهر بن سعد ، أخبرنا ابن عون ، أنبأني موسى بن أنس{[27029]} ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس ، فقال رجل : يا رسول الله ، أنا أعلم لك علمه . فأتاه فوجده في بيته مُنَكِّسًا رأسه ، فقال له : ما شأنك ؟ فقال : شر ، كان يَرْفَعُ صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد حبط عمله ، فهو من أهل النار . فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ، قال موسى : فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال : " اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ، ولكنك من أهل الجنة " تفرد به البخاري من هذا الوجه{[27030]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا {[27031]} سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } إلى : { وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } ، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي ، أنا من أهل النار ، وجلس في أهله حزينا ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له : تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما لك ؟ قال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجهر له بالقول حبط عملي ، أنا من أهل النار . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال ، فقال : " لا بل هو من أهل الجنة " . قال أنس : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة . فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف ، فجاء ثابت بن قيس بن شماس ، وقد تحنط ولبس كفنه ، فقال : بئسما تُعوّدون أقرانكم . فقاتلهم حتى قُتل{[27032]} {[27033]} .

وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُناني ، عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } إلى آخر الآية ، جلس ثابت في بيته ، قال : أنا من أهل النار . واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال{[27034]} النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ : " يا أبا عمرو ، ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟ " فقال سعد : إنه لجاري ، وما علمت له بشكوى . قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله {[27035]} صلى الله عليه وسلم ، فقال ثابت : أُنزلَت هذه الآية ، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار . فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل ، هو من أهل الجنة " .

ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد {[27036]} الدارمي ، عن حَيَّان بن هلال ، عن سليمان بن المغيرة ، به ، قال : ولم يذكر سعد بن معاذ . وعن قطن بن نُسَير عن جعفر بن سليمان{[27037]} ، عن ثابت ، عن أنس بنحوه . وقال : ليس فيه ذكر سعد بن معاذ .

حدثنا هُرَيم{[27038]} بن عبد الأعلى الأسدي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يذكر ، عن ثابت ، عن أنس قال : لما نزلت هذه الآية ، واقتص الحديث ، ولم يذكر سعد بن معاذ ، وزاد : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رَجلٌ من أهل الجنة . {[27039]} .

فهذه الطرق الثلاث مُعَلّلة لرواية حماد بن سلمة ، فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ . والصحيح : أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا ؛ لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس ، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم ، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة ، والله أعلم .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثنا أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شمَّاس ، حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ، عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية : { لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } قال : قعد ثابت بن قيس{[27040]} في الطريق يبكي ، قال : فمر به عاصم بن عدي من بني العَجلان ، فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ قال : هذه الآية ، أتخوف أن تكون نزلت فيَّ وأنا صيت ، رفيع الصوت . قال : فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وغلبه البكاء ، فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول فقال لها : إذا دخلتُ بيت فَرَسي فشدّي عَلَيّ الضبَّة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه ، وقال : لا أخرج حتى يتوفاني الله ، عز وجل ، أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وأتى عاصم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره ، فقال : " اذهب فادعه لي " . فجاء عاصم إلى المكان فلم يجده ، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفَرَس ، فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك . فقال : اكسر الضبة . قال : فخرجا فأتيا{[27041]} النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا ثابت ؟ " . فقال : أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في : { لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تَعِيش حَميدًا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ " . فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا أرفع صوتي أبدا على صوت النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وأنزل الله : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } {[27042]} . {[27043]}

وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك ، فقد نهى الله عز وجل ، عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] {[27044]} أنه سمع صَوت رجلين في مسجد رسول الله{[27045]} صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما ، فجاء ، فقال : أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : مِن أين أنتما ؟ قالا من أهل الطائف . فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا{[27046]} .

وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره ، كما كان يكره في حياته ؛ لأنه محترم حيا وفي قبره ، صلوات الله وسلامه عليه{[27047]} ، دائما . ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه ، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ؛ ولهذا قال : { وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } ، كما قال : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } [ النور : 63 ] .

وقوله : { أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } أي : إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك ، فيغضب الله لغضبه ، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدري ، كما جاء في الصحيح : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بَالا يكتب له بها الجنة . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلقي لها بالا يَهْوِي بها في النار أبعد ما بين السموات والأرض " {[27048]} .


[27022]:- (1) زيادة من ت، م، أ.
[27023]:- (2) صحيح البخاري برقم (4845).
[27024]:- (3) صحيح البخاري برقم (4847).
[27025]:- (4) في ت: "وروى".
[27026]:- (5) مسند البزار برقم (2257) "كشف الأستار" وقال: "لا نعلمه يروى متصلا إلا عن أبي بكر، وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها، ومخارق مشهور، ومن عداه أجلاء".
[27027]:- (1) زيادة من أ.
[27028]:- (2) أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك (2/462) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه، وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
[27029]:- (3) في ت: "وروى البخاري بسنده".
[27030]:- (4) صحيح البخاري برقم (4846).
[27031]:- (5) في ت: "ابن".
[27032]:- (6) في ت: "حتى قتل رحمه الله".
[27033]:- (7) المسند (3/137).
[27034]:- (8) في م: "فسأل".
[27035]:- (9) في م: "النبي".
[27036]:- (1) في أ: "سعد".
[27037]:- (2) في م: "مسلم".
[27038]:- (3) في م: "هدبة".
[27039]:- (4) صحيح مسلم برقم (119).
[27040]:- (5) في أ: "ثابت بن قيس بن شماس".
[27041]:- (6) في أ: "حتى أتيا".
[27042]:- (7) في أ: بعدها: " لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الآية".
[27043]:- (8) تفسير الطبري (26/75).
[27044]:- (1) زيادة من ت.
[27045]:- (2) في ت، م: "النبي".
[27046]:- (3) رواه البخاري في صحيحه برقم (470) من طريق السائب بن يزيد فذكره.
[27047]:- (4) في ت: "صلى الله عليه وسلم".
[27048]:- (5) صحيح البخاري برقم (6478) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته . { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب . وقيل معناه ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا وخاطبوه بالنبي والرسول ، وتكرير النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الاتعاظ والدلالة على استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به . { أن تحبط أعمالكم } كراهة أن تحبط فيكون علة للنهي ، أو لأن تحبط على أن النهي عن الفعل المعلل باعتبار التأدية لأن في الجهر والرفع استخفافا قد يؤدي إلى الكفر المحبط ، وذلك إذ انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة . وقد روي : أن ثابت بن قيس كان في أذنه وقر وكان جهوريا ، فلما نزلت تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفقده ودعاه فقال : يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة " . { وأنتم لا تشعرون } أنها محبطة .