في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ثم يربط هذه الحقيقة بالكون كله في أكبر وأرفع مجاليه ؛ كما يربط به من الناحية الأخرى حقيقة الجزاء في الآخرة ، بعد الابتلاء بالموت والحياة :

الذي خلق سبع سماوات طباقا ، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ? ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ، وجعلناها رجوما للشياطين ، واعتدنا لهم عذاب السعير . وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ، وبئس المصير . إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ? قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما نزل الله من شيء ، إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ! .

وكل ما في هذه الآيات آثار لمدلول الآية الأولى ، ومظاهر للهيمنة المتصرفة في الملك ، وللقدرة التي لا يقيدها قيد . ثم هي بعد ذلك تصديق للآية الثانية من خلق الموت والحياة للابتلاء ، ثم الجزاء . .

والسماوات السبع الطباق التي تشير إليها الآية لا يمكن الجزم بمدلولها ، استقاء من نظريات الفلك ، فهذه النظريات قابلة للتعديل والتصحيح ، كلما تقدمت وسائل الرصد والكشف . ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف القابلة للتعديل والتصحيح . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات . وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة .

والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ، في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق بصفة عامة . يوجه النظر إلى خلق الله ، وهو يتحدى بكماله كمالا يرد البصر عاجزا كليلا مبهورا مدهوشا .

( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) . . فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب . . ( فارجع البصر ) . . وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ( هل ترى من فطور ? ) . . وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ?

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ سبع سموات طباقا } أي بعضها فوق بعض . مصدر طابق مطابقة وطباقا ؛ من طابق النعل : أي جعله طبقة فوق أخرى . وصف به للمبالغة ، أو بتقدير مضاف ، أي ذات طباق . قال البقاعي : حيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجا عن ذلك . وهي لا تكون كذلك إلا أن تكون الأرض كرية ، والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة من جميع الجوانب ، والسماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا ، وهكذا إلى أن يكون العرش محيطا بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها بالنسبة إليه كحلقة في فلاة ؛ فما ظنك بما تحته ! وكل سماء من التي فوقها بهذه النسبة . وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظاهره يوافقه . اه .

{ ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } ما ترى في خلق السموات السبع ، شيئا من الاختلاف وعدم التناسب ، فلا عيب ولا نقص ، ولا اعوجاج ولا اضطراب في شيء منها . بل كلها محكمة جارية على مقتضى الحكمة . يقال : تفاوت الشيئان تفاوتا ، تباعد ما بينهما ؛ من الفوت ، وأصله الفرجة بين أصبعين . والجملة صفة لسبع سموات . { فارجع البصر } أي إن كنت في شك من ذلك ، فكرر النظر فيما خلقنا حتى يتضح لك الأمر ، ولا يبقى عندك شبهة فيه . { هل ترى من فطور } أي خلل ووهن . وأصل معنى الفطور : الشقوق والصدوع ؛ جمع فطر . يقال : فطره فانفطر . وتفطر الشيء تشقق ؛ وبابه نصر أريد منه ما ذكرنا لعلاقة اللزوم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

قوله : { الذي خلق سبع سماوات طباقا } طباقا صفة لسبع جمع طبق . يعني طبقا فوق طبق ، بعضها فوق بعض . وذلك من تقدير الله وعظيم صنعه في الخلق . إذ خلق السماوات طباقا سبعا وجعلها في غاية القوة والصلابة والإحكام ، وفي غاية الاتساق والانسجام { ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } ليس فيما خلق الله من تنافر أو اختلاف أو اعوجاج أو تناقض أو خلل . بل هو خلق مستو منسجم مستقيم ، يدل على عظمة الله الصانع الخالق .

قوله : { فارجع البصر هل ترى من فطور } يعني اردد بصرك في السماء المنسجمة المتسقة ، هل ترى فيها من صدوع أو شقوق أو خروق أو خلل أو غير ذلك من وجوه الوهن والاختلال .