في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ويستطرد السياق يوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى إنذار القوم بذلك اليوم ، في مشهد من مشاهد القيامة يتفرد فيه الله بالحكم والقضاء ؛ بعدما عرضه عليهم في صورة حكاية لم يوجه لهم فيها الخطاب :

( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع . يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ) . .

والآزفة . . القريبة والعاجلة . . وهي القيامة . واللفظ يصورها كأنها مقتربة زاحفة . والأنفاس من ثم مكروبة لاهثة ، وكأنما القلوب المكروبة تضغط على الحناجر ؛ وهم كاظمون لأنفاسهم ولآلامهم ولمخاوفهم ، والكظم يكربهم ، ويثقل على صدورهم ؛ وهم لا يجدون حميماً يعطف عليهم ولا شفيعاً ذا كلمة تطاع في هذا الموقف العصيب المكروب !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

{ وأنذرهم هم الآزفة } يوم القيامة . وأصل معنى الآزفة : القريبة ؛ من أزف الرحيل – كفرح – أزفا وأزوفا : دنا وقرب ؛ ثم جعلت اسما للقيامة لقربها بالإضافة إلى ما مضى من عمر الدنيا أو لما بقي .

{ إذ القلوب لدى الحناجر } إذ قلوبهم مرتفعة عن مواضعها من صدورهم ، متشبثة بحلوقهم . والحناجر : جمع حنجور أو حنجرة ، وهي الحلقوم . { كاظمين } ممسكين عليها لا تخرج مع أنفاسهم ؛ كما يمسك صاحب القربة فمها لئلا يهراق الماء [ آية 134 آل عمران ص 125 ] . وهو كناية عن شدة الفزع وفرط الغم . { وما للظالمين من حميم } قريب مشفق . يقال : احتم فلان لفلان ، أي احتد ؛ فكأنه الذي يحتد حماية لذويه . ومنه قيل لخاصة الرجل : حامته ؛ ولذا فسر الحميم بالصديق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

قوله تعالى : { لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب وأنذرهم يوم الآزفة } ، يعني : يوم القيامة ، سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب ، نظيره قوله عز وجل : { أزفت الآزفة } ( النجم-57 ) ، أي : قربت القيامة . { إذ القلوب لدى الحناجر } ، وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر ، فلا هي تعود إلى أماكنها ، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا ، { كاظمين } ، مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً ، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به . { ما للظالمين من حميم } ، قريب ينفعهم ، { ولا شفيع يطاع } ، فيشفع فيهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

{ وأنذرهم يوم الآزفة } خوفهم بيوم القيامة والآزفة القريبة { إذ القلوب لدى الحناجر } وذلك أن القلوب ترتفع من الفزع إلى الحناجر { كاظمين } ممتلئين غما وخوفا وحزنا { ما للظالمين } أي الكافرين { من حميم } قريب { ولا شفيع يطاع } فيشفع فيهم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

قوله تعالى : " وأنذرهم يوم الآزفة " أي يوم القيامة . سميت بذلك لأنها قريبة ؛ إذ كل ما هو آت قريب . وأزف فلان أي قرب يأزف أزفا ، قال النابغة :

أزِفَ التَّرَحُّل غيرَ أن رِكَابَنَا *** لمَّا تَزَلْ برِحَالِنَا وكأنْ قَدِ

أي قرب . ونظير هذه الآية : " أزفت الآزفة " {[13365]} [ النجم : 57 ] أي قربت الساعة . وكان بعضهم يتمثل ويقول :

أزِفَ الرَّحيلُ وليس لي من زادِ *** غير الذنوب لِشِقْوَتِي ونَكَادِي

" إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين " على الحال وهو محمول على المعنى . قال الزجاج : المعنى إذ قلوب الناس " لدى الحناجر " في حال كظمهم . وأجاز الفراء أن يكون التقدير " وأنذرهم " كاظمين . وأجاز رفع " كاظمين " على أنه خبر للقلوب . وقال : المعنى إذ هم كاظمون . وقال الكسائي : يجوز رفع " كاظمين " على الابتداء . وقد قيل : إن المراد ب " يوم الآزفة " يوم حضور المنية . قاله قطرب . وكذا " إذ القلوب لدى الحناجر " عند حضور المنية . والأول أظهر . وقال قتادة : وقعت في الحناجر المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها ، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة كما قال : " وأفئدتهم هواء " . وقيل : هذا إخبار عن نهاية الجزع ، كما قال : " وبلغت القلوب الحناجر " وأضيف اليوم إلى " الآزفة " على تقدير يوم القيامة " الآزفة " أو يوم المجادلة " الآزفة " . وعند الكوفيين هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل مسجد الجامع وصلاة الأولى . " ما للظالمين من حميم " أي من قريب ينفع " ولا شفيع يطاع " فيشفع فيهم .


[13365]:آية 57 من سورة النجم.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

{ يوم الآزفة } يعني : القيامة ومعناه : القريبة .

{ إذ القلوب لدى الحناجر } معناه أن القلوب قد صعدت من الصدور لشدة الخوف حتى بلغت الحناجر فيحتمل أن يكون ذلك حقيقة أو مجازا عبر به عن شدة الخوف والحناجر جمع حنجرة وهي الحلق .

{ كاظمين } أي : محزونين حزنا شديدا كقوله : { فهو كظيم } [ يوسف : 84 ] وقيل : معناه يكظمون حزنهم أي : يطمعون أن يخفوه والحال تغلبهم وانتصابه على الحال من أصحاب القلوب لأن معناه : قلوب الناس أو من المفعول في أنذرهم أو من القلوب وجمعها جمع المذكر لما وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء .

{ ما للظالمين من حميم } أي : صديق مشفق .

{ ولا شفيع يطاع } يحتمل أن يكون نفي الشفاعة وطاعة الشفيع أو نفي طاعة الشفيع خاصة ، كقولك : ما جاءني رجل صالح فنفيت الصلاح وإن كان قد جاءك رجل غير صالح ، والأول أحسن لأن الكفار ليس لهم من يشفع فيهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ولما تم هذا على هذا الوجه المهول ، وكان يوم القيامة له أسماء تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله ، منها يوم البعث وهو ظاهر ، ومنها يوم التلاق لما تقدم ، ومنها يوم التغابن لغبن أكثر من فيه خسارته ، ومنها يوم الآزفة لقربه وسرعة أخذه ، وكان كأنه قيل خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم : وأمن ممن ألقينا إليك هذا الروح الأعظم من أمرنا فأنذرهم ما مضى من يوم التلاقي وما عقبناه به ، عطف عليه قوله زيادة في بيان هوله إعلاماً بأنه مع ثبوته وثبوت التلاقي فيه قريب تحذيراً من تزيين إبليس للشهوات وتقريره بالتسويف بالتوبة : { وأنذرهم } أي هؤلاء المعرضين إعراض من لا يجوز الممكن { يوم الآزفة } أي الحالة الدائبة العاجلة السريعة جداً مع الضيق في الوقت وسوء العيش لأكثر الناس ، وهي القيامة ، كرر ذكرها وذكر الإنذار منها تصريحاً وتلويحاً تهويلاً لها وتعظيماً لشأنها .

ولما ذكر اليوم ، هول أمره بما يحصل فيه من المشاق فقال : { إذ القلوب } أي من كل من حضره . ولما كان هذا الرعب على وجه غريب باطن ، عبر ب " لدى " فقال : { لدى الحناجر } أي حناجر المجموعين فيه إلا من شاء الله ، وهي جمع حنجور وهي الحلقوم وزناً ومعنى ، يعني أنها زالت عن أمكانها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج وصارت مواضعها من الأفئدة هواء ، وكانت الأفئدة معترضة كالشجا لا هي ترجع إلى مقارها فيستريحوا ولا تخرج فيموتوا .

ولما كان الحديث - وإن كان في الظاهر عن القلوب - إنما هو عن أصحابها ، جمع على طريقة جمع العقلاء ، وزاده حسناً أن القلوب محل الكظم ، وبها صلاح الجملة وفسادها ، وقد أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال : { كاظمين } أي ممتلئين خوفاً ورعباً وحزناً ، ساكتين مكروبين ، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم . ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم ، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات ، قال مستأنفاً : { ما للظالمين } أي العريقين في الظلم منهم { من حميم } أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم مزيل لكروبهم ، قال ابن برجان : والحميم : الماء الحار الناهي في الحرارة ، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضباً ، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظاً { ولا شفيع يطاع * } أي ليس لهم شفيع أصلاً لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع ، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك ، فيبرأ منهم .