( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ، فطال عليهم الأمد ، فقست قلوبهم ، وكثير منهم فاسقون ، اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها . قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) . .
إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم ؛ واستبطاء للإستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله ؛ فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها ، ونزل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور ؛ وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصر ويحذر .
عتاب فيه الود ، وفيه الحض ، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله ، والخشوع لذكره ، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام ، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال :
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? ) . .
وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة ، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء ، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله ، وحين لا تخشع للحق :
( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ، فطال عليهم الأمد ، فقست قلوبهم ، وكثير منهم فاسقون ) . .
وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج .
إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان . وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ، ويرف كالشعاع ؛ فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا ، وانطمست إشراقته ، وأظلم وأعتم ! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ؛ ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة .
ألم يأنِ : ألم يَحِنْ ، والفعلُ الماضي أنى يأْني أنياً وأناةً وأنىً : حانَ وقَرُب .
فطالَ عليهم الأمد : طال عليهم الزمان وبعُد العهد بينهم وبين أنبيائهم .
قَسَت قلوبهم : اشتدّت فكفروا .
في هذه الآية عتابٌ لقومٍ من المؤمنين فترت همَّتُهم قليلاً عن القيام بما نُدِبوا إليه . روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : « لما قَدِم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فأصابوا من لِين العَيش ما أصابوا بعْدَ أن كانوا في جَهدٍ ، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوقبوا بهذا الآية . . . . »
ألم يَحِن الوقتُ للذين آمنوا أن ترقَّ قلوبُهم لذِكر الله والقرآن الكريم ، ولا يكونوا كاليهود والنصارى الذين أُوتوا الكتابَ من قبلهم ، فعملوا به مدةً ثم طال عليهم الزمنُ فجمدت قلوبهم وغيّروا وبدّلوا { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } خارجون عن حدودِ دينهم .
قرأ نافع وحفص : وما نَزَل من الحق بفتح النون والزاي من غير تشديد . والباقون : وما نزّل بتشديد الزاي .
{ 16-17 } { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة ، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها ، والاستكانة لعظمته ، فعاتب الله المؤمنين [ على عدم ذلك ] ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }
أي : ألم يجئ{[983]} الوقت الذي تلين به قلوبهم{[984]} وتخشع لذكر الله ، الذي هو القرآن ، وتنقاد لأوامره وزواجره ، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى ، ولما أنزله من الكتاب والحكمة ، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت ، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك ، { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي : ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولا ثبتوا ، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم ، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله ، وتناطق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك ، فإن ذلك{[985]} سبب لقسوة القلب وجمود العين .
قوله عز وجل : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عن التوراة ، فإن فيها العجائب ، فنزلت : { نحن نقص عليك أحسن القصص }( يوسف- 3 ) ، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره ، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل : { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً }( الزمر- 23 ) ، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية . فعلى هذا التأويل ، قوله { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } يعني في العلانية وباللسان . وقال الآخرون نزلت في المؤمنين . قال عبد الله بن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلا أربع سنين . وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، فقال : { ألم يأن } ألم يحن { للذين آمنوا أن تخشع } : ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله ، { وما نزل } قرأ نافع ، وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي ، وقرأ الآخرون بتشديدها ، { من الحق } وهو القرآن ، { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل } وهم اليهود والنصارى ، { فطال عليهم الأمد } الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، { فقست قلوبهم } قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله ، والمعنى أن الله عز وجل ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر . روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم . { وكثير منهم فاسقون } يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون } .
{ ألم يأن للذين آمنوا } ألم يحن { أن تخشع قلوبهم } ترق وتلين { لذكر الله وما نزل من الحق } وهو القرآن وهذا حث من الله تعالى لقوم من المؤمنين على الرقة
17 20 والخشوع { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل } أي اليهود والنصارى { فطال عليهم الأمد } الزمان بينهم وبين أنبيائهم { فقست قلوبهم } لن تلن لذكر الله ونسوا ما عهد الله سبحانه اليهم في كتابهم { وكثير منهم فاسقون } وهم الذين تركوا الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }
{ ألم يَأنِ } يحن { للذين آمنوا } نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح { أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزَّل } بالتشديد والتخفيف { من الحق } القرآن { ولا يكونوا } معطوف على تخشع { كالذين أوتوا الكتاب من قبل } هم اليهود والنصارى { فطال عليهم الأمد } الزمن بينهم وبين أنبيائهم { فقست قلوبهم } لم تلن لذكر الله { وكثير منهم فاسقون } .