في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ) . .

فأمام مثل هذا الخطر ، والموج يغشاهم كالظلل والفلك كالريشة الحائرة في الخضم الهائل . . تتعرى النفوس من القوة الخادعة ، وتتجرد من القدرة الموهومة ، التي تحجب عنها في ساعات الرضاء حقيقة فطرتها ، وتقطع ما بين هذه الفطرة وخالقها . حتى إذا سقطت هذه الحوائل ، وتعرت الفطرة من كل ستار ، استقامت إلى ربها ، واتجهت إلى بارئها ، وأخلصت له الدين ، ونفت كل شريك ، ونبذت كل دخيل . ودعوا الله مخلصين له الدين .

( فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) . .

لا يجرفه الأمن والرخاء إلى النسيان والاستهتار إنما يظل ذاكرا شاكرا ، وإن لم يوف حق الله في الذكر والشكر فأقصى ما يبلغه ذاكر شاكر أن يكون مقتصدا في الأداء .

ومنهم من يجحد وينكر آيات الله بمجرد زوال الخطر وعودة الرخاء : ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) . . والختار الشديد الغدر ، والكفور الشديد الكفر ؛ وهذه المبالغة الوصفية تليق هنا بمن يجحد آيات الله بعد هذه المشاهد الكونية ، ومنطق الفطرة الخالص الواضح المبين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

وذكر تعالى حال الناس ، عند ركوبهم البحر ، وغشيان الأمواج كالظل{[675]}  فوقهم ، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ]{[676]}  والعبادة : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين :

فرقة مقتصدة ، أي : لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم .

وفرقة كافرة بنعمة اللّه ، جاحدة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ }{[677]}  أي غدار ، ومن غدره ، أنه عاهد ربه ، لئن أنجيتنا من البحر وشدته ، لنكونن من الشاكرين ، فغدر ولم يف بذلك ، { كَفُور } بنعم اللّه . فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة ، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه ؟


[675]:- في ب: كالظلل.
[676]:- زيادة من ب.
[677]:- كذا في ب، وزاد في أ: قوله تعالى: "كفور".
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

قوله : { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } الموج أعم من الموجة . وجمع موج ، أمواج . ماج البحر ويموج إذا اشتد هياجه واضطرابه . وماج الناس إذا اختلفت أمورهم واضطربت{[3665]} .

والمراد بالظلل ، الجبال . وذلك وصف لحال العباد إذا ركبوا الفلك فهاج بهم البحر ، وتعاظمت من حولهم الأمواج الهادرة ، فغشيهم الفزع والإياس حينئذ يجأرون إلى الله بالدعاء . وهو قوله : { دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي دعوا ربهم وحده موقنين أنه الملاذ لخلاصهم واستنقاذهم من الهلاك دون غيره من الشركاء والأنداد . لكن نشأتهم الضالة وشدة جنوحهم للتقليد الأعمى والتعصب المذموم قد طغى عليهم وأنساهم ذكر ربهم ؛ فهم إذا انكشفت عنهم الكروب ، وانجلت الشدائد والأهوال عاودوا الإشراك والعصيان ، وهو قوله : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ } المقتصد ، الموفي بما عاهد عليه الله وهو في البحر ، أي أوفى في البر بما عاهد عليه الله وهو في البحر . وقيل : المقتصد ، معناه المتوسط في العمل ، وهو بعد أن عاين الآيات الظاهرة وهو في البحر كان ينبغي أن يقابل ذلك ببالغ الطاعة والشكران لله ، وأن يبادر العبادة والخشوع .

قوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } الختار ، معناه الغدار ، من الختر وهو الغدر والخديعة ، أو أقبح الغدر وأسوأه{[3666]} أي : لا ينكر الآيات الواضحات والدلائل المستبينات الناطقة بقدرة الله وعظيم سلطانه إلا كل خوّان شديد الغدر ، { كَفُورٍ } . أي جحود للنعمة ، سريع الكفران لما منّ الله به عليه من الاستنقاد والتنجية والخلاص . وذلك دأب الجاحد الغادر الذي يتناسى فضل الله عليه وما منّ به عليه من بالغ النعم فيتولى مدبرا منكرا سادرا في عصيانه وجحوده .


[3665]:المصباح المنير ج 2 ص 252.
[3666]:القاموس المحيط ص 489.